الأهرام تكتب: بيجيدي الخاسر الأكبر.. حسابات التطبيع بين المغرب وإسرائيل

0

في تقرير مطور استعرضت بوابة “الأهرام” المصرية التطورات الأخيرة في العلاقات ما بين المغرب من جهة، وبين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، من جهة ثانية، ونوهت البوابة الواسعة الانتشار في مصر والبلاد العربية، إلى بيان الديوان الملكي الذي زف خبر إصدار الرئيس الأمريكي مرسوما رئاسيا، يقضى باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها بسيادة المملكة المغربية الكاملة على جميع منطقة الصحراء المغربية، لكن فرحة المغاربة بهذا الخبر شابتها صدمة، مِن ما اعتبرته أوساط ثمنا لهذا الاعتراف الأمريكي، وهو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وهذا هو نص التقرير كما نشرته بوابة “الأهرام” بعنوان:

حسابات التعاون الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل

التطورات السريعة والمتلاحقة التي تشهدها السياسة الخارجية للمملكة المغربية، على صعيد العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، منذ العاشر من ديسمبر 2020، فرضت على الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية بالبلاد حالة شديدة من الاستقطاب الحاد، والتباين في الآراء والمواقف من النقيض إلى النقيض، سواء فيما يتعلق بتقييم صفقة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، مقابل تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل، أو فيما يتعلق بما سيترتب على هذه الصفقة من مكاسب وخسائر.

ولعل الوتيرة المتسارعة للأحداث التي شهدها هذا الملف، منذ مفاجأة إعلان الديوان الملكي المغربي، في الحادي عشر من ديسمبر، عن فحوى الاتصال الهاتفي الذى جرى مساء اليوم السابق بين الملك محمـد السادس والرئيس دونالد ترامب ، حيث زف بيان الديوان الملكي خبر إصدار الرئيس الأمريكي مرسوما رئاسيا، يقضى باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على جميع منطقة الصحراء المغربية، لكن فرحة المغاربة بهذا الخبر شابتها صدمة، من ما تم اعتباره ثمنا لهذا الاعتراف الأمريكي، وحمله بيان الديوان الملكي نفسه، حينما أكد “عزم المغرب استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل في أقرب الآجال، وتطوير علاقات مبتكرة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. ولهذه الغاية، العمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة إلى غاية 2002”.

الملك محمد السادس خلال استقباله بالقصر الملكي بالرباط مستشار الرئيس الأمريكي جريد كوشنر رئيس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شابات مساء الثلاثاء 22 ديسمبر 2020

تطورات متسارعة

وفيما رأى عدد من المحللين السياسيين والشخصيات الحزبية المغربية الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء مكسبا مهما لقضية المغرب المحورية، وشهادة وفاة لجبهة البوليساريو، اعتبر آخرون أن الثمن الذي سيدفعه المغرب لهذا الاعتراف كبير جدا، وزاد تسارع وتتابع الأحداث بعد ذلك، من حجم التباين في الآراء وردود الأفعال، حيث وصلت إلى مطار الرباط-سلا، يوم الثلاثاء 22 من ديسمبر 2020، الرحلة رقم 555 لشركة العال الإسرائيلية، وهى أول رحلة تجارية مباشرة بين إسرائيل والمغرب، وحملت على متنها وفدين أمريكي وإسرائيلي، برئاسة جاريد كوشنر، المستشار الرئيسي للرئيس الأمريكي، وضم الوفدان كلا من مائير بن شباط ، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وأفراهام بيركوفيتش، المساعد الخاص للرئيس الأمريكي والممثل الخاص المكلف بالمفاوضات الدولية.

وفي يوم الوصول استقبل الملك محمـد السادس، بحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن، أعضاء الوفدين بالقصر الملكي في الرباط، حسب بيان الديوان الملكي المغربي، والذي أشار إلى أنه خلال الاستقبال “جدد جلالة الملك الإعراب عن ارتياحه العميق للنتائج التاريخية للاتصال الذى أجراه في 10 ديسمبر 2020 مع الرئيس دونالد ترامب”.

وجاء في البيان أيضا: “يشكل المرسوم الرئاسي الذى يعترف بمغربية الصحراء، إضافة إلى التدابير المعلن عنها من أجل استئناف آليات التعاون مع إسرائيل، تطورات كبرى في سبيل تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي”، وأوضح أن هذه التدابير تشمل الترخيص لشركات الطيران الإسرائيلية بنقل أفراد الجالية اليهودية المغربية والسياح الإسرائيليين إلى المغرب، والاستئناف الكامل للاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل على المستوى المناسب، وتشجيع تعاون اقتصادي ثنائي دينامي وخلاق، والعمل من أجل إعادة فتح مكتبي الاتصال في الرباط وتل أبيب”.

خريطة طريق

خلال استقبال العاهل المغربي الوفدين الأمريكي والإسرائيلي، جرى التوقيع على اتفاق ثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، اعتبره ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقس والمغاربة المقيمين بالخارج، فس تصريح بمناسبة زيارة الوفدين الإسرائيلي والأمريكي، “خريطة طريق للتعاون بين الدول الثلاث”، سواء في التفاهمات التي جرت بخصوص ملف الصحراء أو العلاقات المغربية الإسرائيلية أو بإحلال الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.

وأكد وزير الخارجية المغربي، أن الاتفاق “يعلن عن عهد جديد في العلاقات بين الدول الثلاث، مشيرا إلى أن دول المغرب وإسرائيل وأمريكا ، ترحب بالفرص التي أثمرتها الجهود الكبيرة التي أدت إلى اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء”، وأشار بوريطة إلى أن القرار الثلاثي يبرز أيضا تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية، مقترح الحكم الذاتي باعتباره أساس الحل الوحيد للنزاع، مضيفا أنه يؤكد تسيير العمل من أجل بلوغ الحل السياسي الذى يقترحه المغرب في الصحراء، وذلك من خلال تشجيع واشنطن للاستثمارات والتنمية الاقتصادية في المغرب، بما يشمل الأقاليم الصحراوية.

ناصر بوريطة وزير الخارجية أثناء الندوة الصحافية التي أعقبت إبرام الاتفاق الثلاثي يوم 23 ديسمبر 2020 بالقصر الملكي بالرباط

وقال: إن المغرب وإسرائيل اتفقتا على تشجيع التعاون الاقتصادي ومواصلة التعاون في مجالات الطيران والتأشيرات، والخدمات الثنائية والسياحية والماء والأمن الغذائي والتنمية والطاقة والمواصلات السلكية واللاسلكية، موضحا أن الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق تلتزم بالكامل بالعناصر المتضمنة في هذا الإعلان، مشيرا إلى أن كل طرف ملتزم بالتنفيذ الكامل لالتزاماته وتحديد مزيد من الخطوات قبل نهاية شهر يناير 2021، وأن فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي، سيتم خلال الأسبوعين المقبلين بالرباط.

القضية الفلسطينية

تباين مواقف المغاربة حول التطبيع بين المغرب وإسرائيل ، ظهر في قراءة كل فريق لأثر هذه الخطوة على القضية الفلسطينية، ودور المغرب التاريخي فيها، فالمعارضون للتطبيع اعتبروا أن القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر من هذه الخطوة، وعبروا عن ذلك بوقفات احتجاجية في عدد من المدن المغربية، هتفت ونادت بتحرير القدس والمسجد الأقصى، وكذلك عبر التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما رأى المؤيدون لتوجه المغرب الانفتاح على إسرائيل، مقابل اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، أن القضية الفلسطينية لم تستفد من الشعارات على مر التاريخ، معتبرين أن علاقات المغرب وإسرائيل ستصب في مصلحة القضية الفلسطينية.

الملك محمد السادس يستقبل بالقصر الملكي بالرباط جريد كوشنر ومئير بن شبات مساء الثلاثاء 22 ديسمبر 2020

وأشار المؤيدون إلى أن تأكيد المغرب الدائم محورية القضية الفلسطينية لن يتغير، منوهين بأن الديوان الملكي المغربي أورد، في بيان إعلان استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل ، تأكيد الملك محمـد السادس، أن “هذه التدابير لا تمس بأي حال من الأحوال الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وانخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط”. كما أن بيان الديوان الملكي الصادر عقب استقبال الملك محمد السادس الوفدين الأمريكي والإسرائيلي، أشار إلى أن الملك جدد “موقف المملكة المغربية الثابت بشأن القضية الفلسطينية، والقائم على حل الدولتين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمان، وعلى المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كسبيل وحيد للتوصل إلى تسوية شاملة ونهائية، وكذا التزام جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، بالحفاظ على الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة”. فيما شدد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريحات عقب توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، على أن الاتفاق يذكر بموقف المملكة المغربية المنسجم والثابت بخصوص القضية الفلسطينية، وأهمية المحافظة على طابع القدس للديانات السماوية.

خسائر العدالة والتنمية

حزب العدالة والتنمية، الذى يقود الائتلاف الحكومي بالمملكة المغربية، قد يكون أكبر الخاسرين على الصعيدين الداخلي والخارجي، من الإعلان عن التطبيع بين المغرب وإسرائيل، وما تلاه من أحداث وتوقيع للاتفاق الثلاثي؛ فعلى الصعيد الداخلي وقع الحزب ذو التوجه الإسلامي في مأزق، حيث كان يقوم جزء من دعايته الانتخابية على موقفه الرافض للتطبيع مع إسرائيل والمساند للقضية الفلسطينية، وحدوث التطبيع وهو يرأس الحكومة المغربية يقلل من فرص الحزب في الانتخابات البرلمانية، المقرر إجراؤها في المملكة المغربية خلال عام 2021م، خصوصا أن مَن وقع على الاتفاق الثلاثي من الجانب المغربي كان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والذي تعرض لهجوم كبير من المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هذا التوقيع، والذين أعادوا نشر تغريداته القديمة الرافضة للتوقيع، والتي كانت تعتبره خطا أحمر!.

أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى جانب مستشار الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر بعد إبرام البيان الثلاثي المعلن عن التطبيع مع إسرائيل في 23 ديسمبر 2020 بالرباط

ومن بين خسائر حزب العدالة والتنمية المغربي (بيجيدي) من التطبيع مع إسرائيل ما يعانيه الحزب حاليا من خلافات داخلية بين القيادات والشباب تهدد بنية الحزب، والتي ظهر بعضها للعلن عبر فيديوهات وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، بدا منها أن الغالبية يحاولون القفز من السفينة. وعاد عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية السابق، والقيادي بالحزب إلى الواجهة مرة أخرى، حيث يتابع الجميع تعليقاته عبر صفحته الرسمية على فيسبوك. مأزق الحزب يمتد إلى خارج حدود المغرب، حيث التنظيم العالمي للإخوان، الذى هاجم الخطوة، وشنت الأذرع الإعلامية للتنظيم في تركيا هجوما كبيرا على المملكة المغربية وعلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لتوقيعه على الاتفاق. كما أن المأزق لن يتوقف عند ما حدث حتى الآن، لكنه سيتواصل، حيث سيكون الوزراء المغاربة المنتمون للحزب مطالبين بالاجتماع مع نظرائهم من إسرائيل وأمريكا لمتابعة وتنفيذ بنود الاتفاق الثلاثي، الذي وقعها جاريد كوشنر، عن الجانب الأمريكي، ومائير بن شباط ، ممثلا لإسرائيل.

“التقية” والسيطرة على الاقتصاد

طريقة تعامل حزب العدالة والتنمية المغربي مع ملف التعاون بين المملكة وإسرائيل، رآها البعض مواصلة لأساليب “التقية” التي تتبعها التنظيمات السياسية التي تتمسح بالدين، لضمان الاستمرار في المشهد السياسي، وأنه سبق للحزب اتباع ذات الأساليب على امتداد سنوات وجوده ضمن الأغلبية الحكومية، وظهر ذلك في طريقة تعامله مع ملفات مثيرة للجدل، متعلقة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وقضايا المرأة والضرائب على الخمور، وغيرها. وخلال الأيام والأشهر المقبلة، حسب المعلن، ستتوالى الأحداث والتطورات في ملف التعاون الثلاثي بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، وتتكشف حقيقة الخسائر والمكاسب التي ستجنيها المملكة المغربية من هذا الاتفاق، على صعيد قضية الصحراء، وعلى الصعيد الاقتصادي.

سامي القمحاوي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.