الزج بمجهول هوية في السجن لا يحفظ كرامة المُدرّس والمَدرسة !

0

نورالدين اليزيد

بالرجوع إلى الكم الهائل من الصور ومقاطع الفيديو، ليوم الأربعاء الأسود الدامي، الذي تم فيه التنكيل بالأستاذة والأستاذ، الأطر التربية المفروض الاحتفاء بهم لا التعنيف ضدهم والتحرش بهم، وباستعراض تلك الوثائق الصارخة والصادمة، وبالخصوص، فيديو ذاك الشخص المعنّف بشكل وحشي في حق الأساتذة، والذي أُعلن عن اعتقاله من طرف الأمن، وهو يمارس قمعه الحاقد وعنفه الهمجي، يتضح أن عناصر الأمن (البوليس والقوات المساعدة) كانوا يتعاملون مع الفاعل معاملة الزملاء، أي وكأنه واحد منهم، وهذا ما تفضحُه الصور، وليس من بنات أفكارنا، وهو ما يجب إماطة اللثام عنه، حتى تُرفع شبهة التورّط في فعل الشطط في استعمال السلطة، عن منتسبي المديرية العامة للأمن الوطني، وأطر وأعوان وزارة الداخلية..

إنه الإطار الذي يجب أن يتحكم ويؤطر التحقيق القضائي، والإداري إن استدعى الأمر ذلك، مع الفاعِل من طرف الشرطة القضائية، ومع الرؤساء المفترضين، فلربما كان الرجل ينتحل صفة رجل أمن، وهذا ما نتمناه بكل صدق، إكراما وحفاظا على ماء وجه الجهات الأمنية المعنية وسُمعتها !

تلك الأفعال التي تناقلتها حتى الصحافة الدولية، والتي سميناها أفعال عنف وبلطجة وخارجة عن القانون، وهي كذلك دون مزايدات، وإذا تأكد فعلا أن هذا الفعل المُجرم صادر عن عون سلطة، كما يروج، فيجب محاسبته هو ورؤساؤه، بمن فيهم الجهة التي أصدرت البيان الأول الرسمي الداعي إلى فتح تحقيق، في ذاك التعنيف غير المبرر، والذي يجب أن يصدر عن الجهة القضائية المختصة، لتكون هناك مصداقية ونزاهة وشفافية في التحقيق وهي النيابة العامة، التي تفرض عليها سمعة وضعها الاعتباري بتحديد المسؤوليات، إزاء تلك الأفعال، المنتهكة للقانون، والمستحقة كل عبارات الاستنكار والإدانة والشجب، بغض النظر عن هوية الشخص أو انتمائه الوظيفي أو السياسي أو الاجتماعي !

إن الدولة التي تحترم مؤسساتها ومواطنيها، ليست تلك التي تردد الشعارات البراقة وتحرص على تدبيج النصوص والمقتضيات الحاثة على احترام حقوق الإنسان، دون تفعيلها، لأن الواقع الحالي، وما شهدته عاصمة المملكة في ذاك اليوم المؤسف، يجب أن  يفتح بشأنه تحقيق، لإماطة اللثام حول الفاعلين الرئيسيين، والذين أعطوا الإشارات، للاعتداء بعنف وخبث وحقد، في حق مواطنين أبرياء، هم من خيرة موظفي هذه البلاد التي يتغول فيها الفساد والفاسدون يوما عن يوم، إلى درجة استباحة كرامة من يدرسون ويعلمون أبناء هذا الوطن.. بل الأنكطى من ذلك بشكل عدواني وهمجي في مشاهد رأيناها فقط في بعض البلاد المستبدة، في منطقتنا العربية المنكوبة والمغبونة في مسؤوليها، وقد رأينا كيف كانت عاقبتها؛ فلا تجُروا الوطن إلى الفتنة أيها الفاسدون من مسؤولينا !

إن الزج بمجهول هوية في السجن، كرد فعل على الغضب الشعبي العارم، الذي عكسته ردود أفعال النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد ما جرى لأساتذة التعاقد، لا يحفظ كرامة ذاك الأستاذ، الذي اعتدي عليه بطريقة مهينة وداسته أقدام قوات الأمن، حتى أقدام مجهولة، ولا يضمد جراح أستاذة تعرضت لتحرش جسدي ومعنوي ممقوت في تلك الواقعة، ولكن وحدها معاقبة كبار المسؤولين، في الداخلة والوزارة الوصية على قطاع التعليم، الذين أوصلوا  قطاع التربية والتعليم والمدرسة، إلى الحال المتردي الذي نتابعه اليوم، والذي يكاد يكون عنوانا للإفلاس التدبيري (الإداري) والسياسي والتربوي !

إن الحكومة والدولة، ينبغي لهما معا التحلي بقدر من الشجاعة الأخلاقية والسياسية، وتقديم الحساب على ما جرى للوطن ولذاكرة الوطن والتاريخ، من خدش وجرح لا يندمل بسهولة، عندما نُكل بمن كاد أن يكون رسولا؛ لِما تعرض له، من تعنيف وتحرش وتهجم همجي، على شخصه وعلى مكانته الاعتبارية كمعلم للأجيال، من طرف مجهولي ومعروفي هوية، في موقعة يوم الأربعاء الأسود وسط العاصمة، بينما كان هؤلاء يتظاهرون سلميا للضغط على الحكومة من أجل تحقيق مطالبهم التي أبرزها تسوية إطارهم الوظيفي، إسوة بزملائهم الذين ينطبق عليهم قانون الوظيفة العمومية، بينما هم يعملون في إطار تعاقد؛ ولو أن الوزارة المعنية قد أحدثت رتوشات وتعديلات على النظام وباتت تنفي وجود تعاقد، وهذا كذب وتضليل ليس هنا المقام لتوضيحه!

ولعل الأخبار التي ما فتئت تصدر عن الأساتذة الذين حضروا وليمة القمع تلك، وذاقوا منها كل أشكال الضرب والرفس والجرح والتحرش، تدين أكثر السلطات وجميع أنواع وأسلاك الأمن، وتدين الحكومة الصامتة صمت الأموات، وتدين الدولة التي يُستباح في شوارع عاصمتها انتهاك حرمة الأستاذ بالضرب الوحشي، وبالتعنيف اللفظي الخادش للحياء، كما رصدت ذلك كاميرات الأساتذة والصحافيين الذين غطوا تلك الغزوة آللا أخلاقية، التي تعيد المغرب سنوات إلى الوراء في مجال احترام حريات وحقوق الإنسان!

وشخصيا كم كانت صدمتي قوية وأنا أسمع إحدى الأستاذات التي حضرت تلك المجزرة التربوية والأخلاقية، وهي تتهم إحدى “القايدات” بأنها كانت تصدر تعليماتها بألفاظ نابية مخلة، لمعاونيها من القوات والأعوان، بأن ينتهكوا عِرض المتظاهرات من الأستاذات (أتحفظ على استعمال وصف الأستاذة كما هو)! مع أن نوعا من هؤلاء الأعوان كعون السلطة، ليست وظيفته التنكيل بالعباد، في الشارع العام؛ وكما عهدناه، فهو معروف عنه جمع المعلومات عن الساكنة، ومعينا على عمل المسؤولين المحليين، وأحيانا مساعدا للأجهزة الأمنية على إنجاز أبحاثهم وتحقيقاتهم، وليس أن يكون اليد التي تبطش بها السلطة والأجهزة، وتنتهك بها القانون، وتعتدي على مواطنين مسالمين، في صور بشعة ومثيرة للحنق والاستنكار، لا نراها إلا في أنظمة مستبدة في منطقتنا العربية، يعرف الجميع كلفة فاتورة استبدادها…

ما جرى يوم الأربعاء الماضي يحتاج لأكثر من الزج في السجن بشخص واحد فقط، طُرحت حول هويته العديد من علامات الاستفهام، عما إذا كان عونَ سلطة أو بلطجيا وقاطع طارق، انخرط من فرط حماسة زائفة، في حفل سلخ لأطر تربوية بدون وازع ضمير؛ وإنما الذي حدث بكل تلك البشاعة في القمع والتنكيل، يدعو إلى تحمل المسؤولية من طرف كبار المسؤولين، حفظا لماء وجههم، إن كانوا فعلا وحقا يهمهم ماء الوجه، وصونا لكرامة الأستاذ التي مرغت في التراب، وداستها أقدام رجال ونساء القوات العمومية، وحتى أقدام نكرة ومجهولة الهوية..

أما الاكتفاء بنشر تدوينة تافهة وبليدة، من قبيل تلك التي صدرت عن الوزير العائد من مرضه المثير للجدل، مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، والتي يبدو أنه نشرها فقط في محاولة يائسة لرفع العتب، ودون أن يُغضب الذين بيدهم الأمر في المشهد كله، وهو ما تجلى في عدم يقينه من حدوث تلك الاعتداءات الصارخة، مع إلباس ذلك بلبوس ومسحة المرجعية الدينية المفترى عليها، من قبيل “يجب أن يكون احترام الحقوق سُنة” و “إن شاء الله”؛ فمثل هذه الخرجات لا يمكنها أن تشفي جرحا موغرا عميقا، أحدثته رعونةُ سلطات وتغوّل وتخبّط مسؤولين، في الجسد التربوي والتعليمي..

وإن أصحاب الخطة الأمنية التي تمتح من الأساليب البائدة، الذين أعطوا أعوان السلطة الإذن لاستعمال العنف، بكل أشكاله، لتفريق احتجاج أساتذة التعاقد، إنما يسيئون إلى مملكة محمد السادس بأفعالهم الخارجة عن القانون تلك؛ فلا تلوموا، كعادتكم، أيها المسؤولون الذين لا يقدرون الأمور حق قدرها، المنظماتِ الحقوقيةَ الوطنية والدولية، عندما تصدر تقاريرها التي تفضح أساليب قمعكم البدائية البائدة البليدة هاته، وينبغي أن تلوموا فقط عقولكم الجامدة المتحجرة، غير المبدعة التي تحن لزمن إدريس البصري غير المأسوف عنه !

تنويه لا بد منه في زمن الجحود!

هناك طائفة مِمّن ابتليت بهم البلاد، والذين يضعون رِجلا في القطاع التعليمي والرِّجل الأخرى في قطاعات ومجالات أخرى ومنها المجال الإعلامي، لم نسمع لهم صوتا حتى من باب “اللهم إن هذا مُنكر”، إزاء “وليمة” السلخ التي تعرّض لها الأساتذة يوم الأربعاء الماضي..

هؤلاء لا ينطبق عليهم فقط وصف انتهازيي الفرص وفاقدي الضمير المهني ومنعدميه، ما داموا لا يؤمنون بحب المهنة والإخلاص لها أيا كانت، ويهمهم فقط الجري وراء الدرهم، ولكنهم بإخراس ألسنهم والتبرؤ من بني جلدتهم، وهم في أسوء وأخطر مراحل نضالهم، لاستعادة كرامة مهنة التدريس المهدورة، إنما يُظهرون جُبنا من طينة خاصة وممقوتا؛ جُبنُ خيانة المهنة عندما ارتموا في أحضان مهن أخرى، وتطفّلُوا عليها بقصد جمع المال، لا أكثر، وجُبن التواطؤ مع منتهكي حرمة المدرس ومهنة التدريس والتعليم بسكوتهم، وأحيانا بمحاولة تبرير ما لا يُبرر بالتماهي مع الخطاب الرسمي.. ولكن الحمد لله أن هناك إعلاميين وأصحاب أقلام حرة، ونحسب أنفسنا منهم، تداعوا لنُصرة المدرس والمُدرّسة، وهم في أحلك أيام نضالهم، للحفاظ على سمعة المَدرسَة والمُعلّم، وهذا أضعف الإيمان إزاء فئة من الناس تتلمذنا ذات فصول دراسية على أيديهم..

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

ملحوظة: هذه المقالة هي في الأصل تجميع لعدد من تدوينات الكاتب نشرها على حسابه في الفيسبوك، وقد تم نشر المقالة في موقع هسبريس أيضا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.