توقيف رئيس “الكاف” بفرنسا غير قانوني

0

صبري الحو*

أوقفت الشرطة الفرنسية رئيس الاتحاد الأفريقي أحمد أحمد، صباح هذا اليوم، بفندق “بيري” بالعاصمة الفرنسية باريس، في إطار التحقيق في عمليات فساد مشبوهة ورشاوى مالية، والاستماع إلى أقواله من قبل المكتب المركزي لمكافحة الفساد والجرائم المالية، حسب المعلومات التي نشرها موقع “Jeune Afrique”، وتداولتها مجموعة من المواقع والمنابر الإعلامية.

ويأتي هذا التوقيف في إطار الحديث عن ادعاءات ومزاعم بفساد إداري رافق عملية إنهاء وفسخ من طرف واحد للعقد الذي يربط شركة “Puma” الرياضية الألمانية بالاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وإرساء الصفقة على شركة خاصة تتمركز في كوت دازور الفرنسية.

خبير القانون الدولي صبري الحو

وحسب تصريحات المدير العام السابق للاتحاد الأفريقي عمر فهمي، فإن الاتفاق وقع على اختيار الشركة الفرنسية فقط بسبب العلاقة بين أحمد أحمد وأحد كبار مسؤولي الشركة الفرنسية، وأن قيمة الصفقة بلغت نحو 830 ألف دولار أمريكي.

وقد سبقت إثارة هذه الاتهامات من ذي قبل ضد رئيس الاتحاد الأفريقي أحمد أحمد، فأنكرها ونفاها جملة وتفصيلا، وأكد على صحة وسلامة كل القرارات المرتبطة بإنهاء العقد مع شركة “Puma” للتجهيزات الرياضية، واستبداله بعقد مع شركة “تاكتيكال ستيل”، التي تتخذ من فرنسا مقرا لها، كما أكد أن كل الإجراءات المتصلة بذلك اتخذت وفقا للقوانين المسطرة، واتسمت بالشفافية.

غير أن ما أقدمت عليه الوكالة الفرنسية ضد الرشوة، هذا اليوم، واستدعاء أفرادها، بل إحضارها أحمد أحمد من مقر إقامته بفندق “بيري” بباريس يستدعي قراءة هذا التصرف من الوجهة القانونية للوقوف عند أهليتها لاتخاذه، وحدود اختصاصها، وعلاقته بحقوق وحريات الموقوف، وهل يتضمن هذا الفعل والتصرف خروقات وانتهاكا لهذه الحقوق، وماهي الصور والفرضيات التي تسمح بهذا الإجراء.

وقبل هذا وذاك تجدر الإشارة إلى أن الترسانة القانونية الفرنسية معززة بالقانون “سبان 2″، نسبة إلى الوزير ميشيل سبان، ويتعلق بقانون الشفافية وتحديث الحياة الاقتصادية الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي في قراءة نهائية بتاريخ 8 نونبر 2016.

ومن أهداف هذا القانون خدمة ثلاثة محاور رئيسية: الإنذار والحد والمعاقبة على الرشوة التي تمس بالنزاهة probité، ويهم الشفافية والتخليق éthique والعدالة الاقتصاديةJustice économique .

ومن أجل البحث عن حلول ناجعة للحد من الرشوة، فإن قانون “سبان 2” في مواده من 1 إلى5 ينص على خلق وإنشاء آلية وطنية فرنسية (الوكالة الفرنسية ضد الرشوة) عهد إليها باختصاصات واسعة لحماية المقاولات من مخاطر الرشوة، وكذا تجريم استغلال تنقل نفوذ الأعوان العامين الأجانب، وتعزيز المتابعات من أجل أفعال الرشوة الصادرة عن أشخاص عامين أجانب، وفقا للقانون 30 يونيو2000 . والهدف الثالث هو سن تشريع عقوبة لعقوبة إضافية لهذا التأثير ضد المقاولات المتورطة. هذه المواد من 131 إلى 139 أدمجت في القانون الجنائي الفرنسي.

ويضع هذا القانون شروطا خاصة ودقيقة قبل تفعيل الإجراءات الاستثنائية التي يتضمنها، منها ضرورة تقديم شكاية مع الانتصاب طرفا مدنيا، بمعنى أن المشتكي يجب أن يكون معلوما ولحقه ضرر شخصي ومباشر.

ولا يكفي مجرد البلاغ، وفي نازلة الحالة فهي الشركة الألمانية “Puma”.

والشرط الثاني أن تطالب بحقوق مدنية، أي أن تكون هنالك علاقة سببية بين الضرر الذي وقع للمشتكي وبين فعل الرشوة المخالف للقانون الذي قام به المشتكى به، والذي يُطالب بجبره.

ولا يكفي وجود فعل جرمي يضر بالمجتمع.

والشرط الثالث هو أن يكون الهدف من الفعل المشتكى من أجله هو الحصول على عقود عمل أو الحصول على صفقات وسندات الطلب لأشغال وأعمال موضوع القرارات المدعى في اتخاذها بسبب الرشوة.

إلا أن مواد القانون الموضوعي الجنائي، وقانون الإجراءات الجنائية الفرنسيين، ومبادئ الاختصاص العالمي في حدود ما تأخذ بها فرنسا لا تسمح للقضاء الفرنسي بمتابعة الأجانب المتواجدين فوق التراب والإقليم الفرنسي ولو توفرت فيهم هذه الشروط.

فقانون الرشوة والحد منها والمعاقبة عليها يسمح فقط بمتابعة وإدانة الفرنسيين الذين يرتكبون هذه الأفعال خارج فرنسا، ويسمح استثناء بمتابعة وعقاب الأجانب عن هذه الأفعال إذا كانوا على رأس شركات فرنسية متورطة في هذه الأفعال.

إلا أن المتابعة والإدانة والعقاب الذي يستثنى منه الأجانب لا يحول، وفقا لهذا القانون، دون توجيه الاستدعاء من أجل أبحاث تمهيدية تقوم بها الجهات المختصة، منها البحث الذي تقوم به عناصر الوكالة الفرنسية لمحاربة الرشوة، لأن المؤهل لتسطير المتابعات وإقرار الإدانات هم وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق بخصوص المتابعات، والقضاة بخصوص الإدانات.

ومن ثم، فإن من حق الشرطة الفرنسية استدعاء أعوان عموميين أجانب (كما هو الشأن بالنسبة إلى أحمد أحمد). وهؤلاء الأشخاص لا يتوفرون عادة على حصانات تمنع توجيه ذلك الاستدعاء وتنفيذ الإحضار لديها من أجل إتمام أبحاث تمهيدية تقوم بها.

ولا يتجاوز اختصاص هذا الجهاز وهذه الشرطة هذا الإجراء إلى التوقيف أو المتابعة أو الإدانة لأنه ليس من اختصاصها أولاً، ولأن القانون الفرنسي، ثانياً، يمنع على القضاة المؤهلين لذلك، كل حسب اختصاصه ومن موقعه، المتابعة والإدانة، وتسطيرها وتوقيعها على الأجانب بحكم قوة هذا القانون.

*خبير في القانون الدولي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.