خبير دولي يكتب عن ثورة صناعة السيارات الكهربائية في المغرب التي تجذب أنظار العالم

0

كتب الخبير الدولي في مجال الاقتصاد والطاقة مايكل تنخوم، مقالة مهمة، ترجمها عنه موقع “الطاقة” المتخصص، حول مستقبل صناعة السيارات الكهربائية في المغرب، والذي قد يتحول إلى ثورة حقيقة، إذا ما استغلت المملكة إمكانياتها الطبيعية وثروتها من المواد الأولية الآخذة في النمو. ولأهمية المقالة، تعيد جريدة “الناس” الإلكترونية نشرها كما نشرها موقع “الطاقة”

صناعة السيارات الكهربائية في المغرب.. ثورة تجذب أنظار العالم

بقلم: مايكل تنخوم /ترجمة: هبة مصطفى

أعلنت الرباط مؤخرًا توقيع اتفاقية وشيكة لبناء مصنع “غيغافاكتوري” لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.

وهذا التوقيع يعزز موقع المغرب رائدًا للنقل الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وتعدّ هذه الخطوة تطورًا ذا أهمية هائلة للمملكة بصفتها مركزًا لتصنيع السيارات على نطاق عالمي له أهمية حيوية في ضمان مرونة سلسلة التوريد الغربية، لتعزيز دور النقل الخالي من الكربون في مكافحة التغير المناخي.

فالتركيز على تقليص سلاسل التوريد لضمان استقرار سوق المستهلك الأوروبي دعمَ قطاع تصنيع السيارات الكهربائية في المغرب بصورة سريعة، وطوّرَ عمليات أكثر تقدمًا.

وفي الآونة الحالية، تعمل احتياطيات المغرب من المعادن الحيوية على دخول قطاع السيارات الكهربائية في المملكة مجال التصنيع المحلي بوتيرة سريعة.

ومع توافر موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى البنية التحتية على نطاق المرافق القائمة، فإن الرباط تحظى بقدرات تؤهلها لقيادة ثورة النقل صديق البيئة، بتزويد عملية إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب بالطاقة المتجددة.

“التقارب”.. قوة دفع التصنيع المحلي

في 21 يوليو/تموز من العام الجاري (2022)، قال وزير الصناعة المغربي، رياض مزور -في تصريحات صحفية- إن بلاده تقترب من توقيع صفقة مع مُصنّعي بطاريات السيارات الكهربائية لبناء منشأة ضخمة للإنتاج المحلي.

ولم يحدد مزور الشركات المتعاونة، غير أنه أشار إلى مدى ضخامة المصنع المزمع إنشاؤه بموجب الصفقة التي قد تصل إلى ملياري دولار قبل نهاية العام الجاري (2022).

ويعدّ مصنع “غيغا فاكتوري” مصطلحًا أطلقته شركة “تيسلا” على المصانع التي تنتج بطاريات السيارات الكهربائية بنطاق فائق الاتساع، إذ تصل سعة خلايا بطاريات الليثيوم أيون إلى 3 غيغاواط/ساعة سنويًا لكل خط إنتاج.

ويكفي ذلك تصنيع بطاريات لما يتراوح بين 30 ألفًا و45 ألف سيارة كهربائية، وفق حجمها وطرازها.

ولم يفصح مزور عن عدد الخطوط أو الطاقة الإجمالية للمنشأة المقترحة في المغرب، غير أن مصنع تيسلا “غيغا فاكتوري” العملاق والناجح في مدينة شنغهاي الصينية بلغت تكلفته ملياري دولار، واستهدف إنتاج 500 ألف من بطاريات السيارات الكهربائية بطارية سنويًا، ويمكن أن يُنتج المصنع المغربي الكميات ذاتها.

ويتلاءم نطاق إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بهذا الحجم وفق تلك الرؤية مع نظام التصنيع البيئي الذي يتبعه المغرب، خاصة أن الرباط لديها القدرة على إنتاج ما يزيد عن 700 ألف سيارة سنويًا.

ويهدف المغرب حاليًا إلى زيادة إنتاجه من السيارات إلى مليون سيارة بحلول عام (2025)، الكثير منها في صورة سيارات كهربائية.

دعم وقدرات محلية

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2021)، اقترح قانون المالية العامة لعام (2022) المغربي خفض رسوم خلايا بطاريات الليثيوم آيون من مستواها الحالي البالغ 40% إلى 17.5%، لدعم تجميع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب محليًا، اعتمادًا على واردات الخلايا من شرق آسيا.

إن مفتاح صدارة المغرب ليكون عملاق تصنيع في مجال التنقل الأخضر هو التوسع في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون محليًا التي تشكّل 30% إلى 40% من متوسط تكلفة السيارة الكهربائية.

ويشير ذلك إلى إمكان أن يستوعب المصنع العملاق المرتقب “غيغا فاكتوري” إنتاج 300 ألف سيارة كهربائية إضافية.

ويعدّ التقارب والتخطيط الصناعي الذكي واجتذاب الشراكات الأجنبية محركات قوية استخدمتها الرباط لدعم تطوّر قطاع صناعة السيارات، وتعزيز تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب محليًا.

أحد مناجم الكوبالت

وبدأت سلاسل التوريد العالمية في التقلص قبيل انتشار جائحة كورونا، في حين اهتمت الدول والشركات بالمرونة بصورة أكبر من كفاءة التكلفة المباشرة للمخزونات.

وبالنسبة لأوروبا، كان التحول الهيكلي يشير إلى تقريب عملية التزود بالموارد والتصنيع من الأسواق النهائية في أوروبا.

وللحفاظ على “ميزة” تنافسية نفقات التشغيل، عكفت الشركات الدولية على اختيار مواقع لمرافق تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.

خطوات التطوير والتقارب

دعمت الرباط خطط التقريب عبر خطة تسريع صناعي اتّبعتها خلال المدة من 2014 حتى 2020، طورت فيها النقل عالي السرعة والسعة بصورة متزامنة، من خلال بناء ميناء طنجة الذي يوصف بأنه أكبر المواني في البحر المتوسط.

وبالإضافة إلى ذلك، أنشأ المغرب قطار البراق الذي يربط بين الدار البيضاء وطنجة بسكة حديدية، ويعدّ أول قطار فائق السرعة في أفريقيا.

وعزز تطوير المغرب للمواني والسكك الحديدية من اتجاه مجموعة “رينو” الفرنسية إلى إنشاء مصنع ثانٍ لها في المملكة، بالإضافة إلى إنشاء مجموعة “بي إس إيه” -أحد أعضاء تكتل ستيلانتس- مصنع “بيجو” في القنيطرة شمال الرباط.

ويحظى مصنعا “رينو” و”بيجو” بدعم 250 موردًا دوليًا من أميركا وأوروبا واليابان وبلدان أخرى تشغّل مصانعها المحلية الخاصة.

ومثالًا على ذلك، أنشأت شركة “سيتيك ديكاستال” الصينية الرائدة في مجال تصنيع الألومنيوم مصنعًا له القدرة على إنتاج 6 ملايين قطعة من الألومنيوم سنويًا لتزويد “بيجو” باحتياجاتها، بقيمة 400 مليون دولار في القنيطرة أيضًا.

وبفعل سياسات التقارب أيضًا؛ يُصنّع نموذجان من أكثر النماذج مبيعًا في أوروبا بالمغرب، وهما (بيحو 208، وداسيا سانديرو التابع لـ”رينو”).

التصنيع المحلي للبطاريات وطرازات “رينو”

حاليًا، يملك مجال تصنيع السيارات الكهربائية في المغرب نظرة تجاه الإصدارات، وبداية من عام 2020 نقلت شركة “رينو” الفرنسية إنتاجها كاملًا من طراز “داسيا سانديرو” من رومانيا إلى مصانعها في الدار البيضاء وطنجة بالمغرب؛ لانخفاض تكلفة العمالة بنسبة 50%.

أحد مصانع صناعة السيارات “داسيا” المتواجدة بالمغرب

وأطلقت شركة “رينو” طراز “داسيا سبرنغ” الكهربائي في أوروبا، العام الماضي (2021)، بصفتها أقلّ السيارات الكهربائية تكلفة في القارة.

والسيارة من إنتاج شركة “رينو” في الصين، حيث توجد شركة “سي إيه تي إل” الرائدة في إنتاج بطاريات الليثيوم أيون، التي وصلت حصتها بالسوق العالمية في الربع الأول من العام الجاري (2022) إلى 35%.

لكن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب باستخدام المعادن الرئيسة المتوافرة محليًا قد يوفر ميزة في التكلفة يمكّنها من إقناع “رينو” بتصنيع طراز “داسيا سبرينغ” أو أيّ نماذج كهربائية لاحقة لها في مصنع الشركة بالمغرب.

وقد تستخدم الرباط عنصر أمن سلسلة التوريد لأسواق شركة “رينو” في أوروبا ميزةً تعطيها الأولوية على قدرة دول شرق آسيا في توفير المخزونات، لإقناع الشركة الفرنسية بتغيير وجهتها.

أعلنت “داسيا” المغرب عن قرب إطلاق سيارتها الكهربائية Dacia Spring للحجز المسبق اعتبارًا من 17 يونيو ومن المقرر الإطلاق التجاري في نوفمبر 2022 بثمن 223500.00 درهم في السوق المغربية والأوروبية

وفور بدء تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب من طراز “الليثيوم أيون” على الصعيد المحلي، يمكن لمجموعة “رينو” الفرنسية بدء إنتاج سياراتها.

“بيجو” وأوبل الألمانية

تتفوق مجموعة “ستيلانتس” الشركة الأم لشركة “بيجو” على مجموعة “رينو” الفرنسية؛ فمصنع “بيجو” بمدينة القنيطرة المغربية -تأسس في 2019- يُصنّع إصدارات من طراز “بيجو 208” تعمل بالغاز.

وبالنظر إلى أن طراز سيارة بيجو “208 -إي” الكهربائي بالكامل يعتمد على الهيكل الميكانيكي ذاته، فإن إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب يمكن أن يدفع مجموعة “ستيلانتس” إلى نقل إنتاج طرازها الكهربائي من دولة سلوفاكيا الأوروبية إلى مصنعها في مدينة القنيطرة المغربية؛ لاعتبارات انخفاض تكلفة العمالة.

وبدأت شركة “أوبل” الألمانية المعنية بتصنيع السيارات التابعة لمجموعة “ستيلانتس” إنتاج طراز كهربائي حمل اسم “روكس- إي” في مصنع القنيطرة بالمغرب التابع لشركة “بيجو” العضو بالمجموعة أيضًا.

وتأهبت الرباط لتلك الخطوات التصنيعية عبر تطوير السعة الإنتاجية لأشباه الموصلات والرقائق المستخدمة في تصنيع السيارات الكهربائية في المغرب.

ومن جانب آخر، تشغّل الشركة الأوروبية الرائدة في تصنيع الأجهزة المتكاملة وأشباه الموصلات “إس تي ميكرو إلكترونيكس” -وهي شركة فرنسية إيطالية- منشأة لإنتاج الرقائق في مدينة بوسكورة المتصلة بسلاسل تصنيع السيارات في أنحاء المغرب عبر السكك الحديدية.

سيارة داسيا سبرينغ العاملة بالطاقة الكهربائية

وأطلقت الشركة خط إنتاج جديدًا لها لتصنيع الرقائق الإلكترونية التي تستخدمها شركة “تيسلا” الأميركية في المغرب أيضًا، العام الماضي (2022).

معادن السيارات الكهربائية في المغرب

تتطلب بطاريات الليثيوم أيون -وهي أساس رئيس لتصنيع السيارات الكهربائية الحديثة- توافر معادن باهظة التكلفة، ومن الصعب توافرها، لا سيما الليثيوم والكوبالت؛ لضرورة استخدامهما في تفريغ التيار الكهربائي.

ويعمل الليثيوم بصفته “أنودًا” أو مسارًا كهربائيًا يمرّ خلاله تيار الكهرباء يتبرع بإلكترونات يمكنها التدفق عبر الشبكة، وفي المقابل يعمل الكوبالت بصفته “كاثودًا” يستقبل تلك الإلكترونات.

وتعدّ البطاريات كثيفة الطاقة أكثر بطاريات السيارات الكهربائية انتشارًا، وهي بطاريات تستخدم كاثودًا يضم معادن (النيكل، المنغنيز، الكوبالت)، وفي أحيان أخرى تستخدم الكاثود من معادن (النيكل، الكوبالت، الألومنيوم).

وتسمح بطاريات الليثيوم أيون التي تستخدم الكوبالت بإتاحة نطاق قيادة أطول للسيارات الكهربائية من خلال عمليات الشحن.

وبصورة عامة، يتسبب عدم توافر معدن الكوبالت في تقييد انتشار السيارات الكهربائية على نطاق واسع، إذ تحتاج بطاريات السيارات الكهربائية لِما يزن من 22 إلى 24 كيلوغرامًا من الكوبالت، مقابل 5 إلى 10 غرامات لبطارية الهواتف.

وفي ظل انتشار 12 مليون سيارة كهربائية على الطرق في العالم، واتجاه لزيادة هذا المعدل إلى 54 مليون بحلول عام 2025، تشير التوقعات إلى زيادة الطلب على الكوبالت.

احتياطيات الكوبالت

تضم جمهورية الكونغو الديمقراطية ما يزيد عن 50% من احتياطيات الكوبالت في العالم، ويمكنها الإسهام بنحو 70% من القدرة العالمية لقابلية استخراج المعدن.

وتملك الصين أكبر قدرات لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية؛ إذ تعدّ المنتج الرئيس للكوبالت المكرّر، وتسهم بنحو 65% من الإنتاج العالمي، وتخطط بكين للاستحواذ على مناجم بالكونغو بما يشير إلى إمكان نمو إنتاجها من الكوبالت المستخرج من كينشاسا بنسبة 60% عام 2024.

وتُنجز الكونغو استخراج معدن الكوبالت باستخدام التعدين الحرفي (اليدوي) بمشاركة 255 ألفًا من مواطنيها، من ضمنهم 40 ألف طفل تبلغ أعمارهم 6 سنوات.

ويتعرض مصنّعو السيارات إلى ضغوط تضمن إنتاج الكوبالت عبر تعدين آمن ومستدام، وتدفع المنافسة مع الصين لضمان سلاسل التوريد بالتوازي مع اعتبارات الحوكمة البيئية نحو بحث مُصنّعي السيارات عن مورّدين للكوبالت أكثر تدقيقًا ومحافظة على تلك المعايير.

وفي الوقت ذاته، يُتوقع أن تصبح أوروبا سوقًا مباشرة لنمو سوق السيارات الكهربائية، طبقًا لتوجهات المفوضية الأوروبية في يوليو/تموز العام الماضي (2021)، للتخلص من السيارات العاملة بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035.

فرص كوبالت المغرب

بالنظر إلى أن المغرب لا يمكنه خسارة السوق الأوروبية؛ إذ إن 90% من صادرات السيارات موجّهة للقارة العجوز، فإنه لا خيار أمام الرباط سوى الاتّساق مع خطط التحول الأوروبي إلى النقل الكهربائي بالكامل بحلول عام 2035، وفق رؤية وزير الصناعة.

وبتطبيق مبدأ “التقارب” الذي أقرّته الحكومة مؤخرًا على خطط تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، فإن قرب مواقع احتياطيات الكوبالت من مصانع السيارات الأوروبية التي تواجه طلبًا متزايدًا على المعدن، جذب انتباهها إلى شمال أفريقيا.

واقعيًا، يملك المغرب احتياطيات صغيرة نسبيًا من الكوبالت وضعته في المرتبة الـ11 عالميًا، وبلغت قيمة صادرات المغرب من الكوبالت 84 مليون دولار في (2020)؛ ما جعل الرباط تحتلّ المركز رقم 13 ضمن قائمة أكبر مُصدّري الكوبالت في العالم.

ووقّعت شركة “بي إم دبليو” الألمانية لتصنيع السيارات مع شركة “ماناغم” المغربية للتعدين عقدًا لتزويدها بنحو 20% من طلبها للكوبالت، في يوليو/تموز عام 2020.

كما اهتمت شركة “رينو” الفرنسية بتوقيع عقد مع الشركة المغربية ذاتها لتزويدها بنحو 5 آلاف طن من كبريتات الكوبالت طوال 7 سنوات، مطلع يونيو/حزيران العام الجاري (2022).

كوبالت مغربي صديق للبيئة

قال مدير المشتريات في “رينو”، إن توفير المغرب لإمدادات الكوبالت المطلوبة يعدّ أكثر قابلية للأنظمة البيئية المتّبعة في أوروبا خلال تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية.

ومع الأخذ بالحسبان أن التوريد للشركة الفرنسية يبدأ عام 2025، فإن هذا قد يدفع “رينو” إلى إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب.

ويتميز الكوبالت المنتَج محليًا في الدولة الواقعة شمال أفريقيا ببصمته الكربونية المنخفضة؛ إذ يعتمد إنتاج 80% منه على مصادر متجددة، بما يتلاءم مع خطط الشركة الفرنسية لخفض الكربون خلال إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب بنسبة 20% بحلول عام 2025، ترتفع إلى 35% بحلول عام 2030.

ويخطط المغرب لإعادة تدوير البطاريات التي انتهى عمرها الافتراضي، ما يزيد فرص الكوبالت المغربي في خفض البصمة الكربونية.

وعلى المنوال ذاته، شاركت شركة “غلينكور” -المعنية بمجال التعدين والمعادن- شركة “ماناغم” المغربية، في يناير/كانون الثاني الماضي، لإنتاج الكوبالت عن طريق إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون في مصافي التكرير التي تستخدم المعالجة المائية، تديرها شركة فرعية تابعة لـ”ماناغم” قرب مراكش.

ومن المقرر -وفق الاتفاق- أن تزوّد شركة “غلينكور” شركة “سي سي تي” الفرعية التابعة لشركة “ماناغم” بمواد ناتجة عن تفكيك بطاريات الليثيوم أيون التالفة، إلى جانب دعم استخراج هيدروكسيد النيكل من تلك المواد.

وفي حالِ تمكُّن الرباط من استخراج تلك المعادن بمعدلات كافية، يمكن أن يُصبح مُصدرًا لمعادن تصنيع بطاريات الليثيوم آيون كافة.

المعادن الأخرى في المغرب

تملك الرباط احتياطيات ضئيلة من النيكل والمنغنيز، وقد تتوافر إمدادات محلية من الليثيوم أيضًا.

وكان الإعلام المغربي قد تناول -في مايو/أيار من العام الجاري (2022)- ما يفيد باكتشاف مكامن كبيرة من الليثيوم بالمنطقة الصحراوية المتنازع عليها قرب الحدود الموريتانية.

أمّا الفوسفات، فيشكّل عاملًا قويًا في تحول المغرب إلى مركز عالمي يُنتج بطاريات السيارات الكهربائية محليًا، لا سيما أن هناك اتجاهًا قويًا يعزز التخلي عن بطاريات الليثيوم أيون لصالح بطاريات فوسفات حديد الليثيوم، مع استبدال الفوسفات والحديد بـ(الكوبالت، النيكل، المنغنيز) لارتفاع تكلفتها.

ورغم عدم دعم بطاريات فوسفات حديد الليثيوم لنطاق قيادة طويل نسبيًا يعادل بطاريات (النيكل، والمنغنيز، والكوبالت)، فإن الأولى أكثر أمانًا وأقلّ تكلفة، كما أنها تستمر لمدة أطول.

ويُفضَّل أن تستخدم الرباط بطاريات فوسفات حديد الليثيوم خلال عملية إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب على الصعيد المحلي؛ إذ إن الرباط تضم 70% من احتياطيات أحجار الفوسفات على مستوى العالم، وتعدّ ثاني أكبر منتجي الفوسفات عالميًا، بعد الصين.

بطارية فوسفات حديد الليثيوم

بدأت عمليات تعدين الفوسفات في المغرب عام 1921؛ بغرض توفير الفوسفور اللازم لتصنيع الأسمدة المُصنّعة.

ودفعت قوة قطاع الفوسفات والأسمدة (الذي تديره مجموعة “أو سي بي” المملوكة للدولة، والتي حملت اسم مكتب الشريف للفوسفات في وقت سابق) نحو تحول المغرب إلى “حارس” إمدادات الغذاء على الصعيد العالمي.

وبدأت مجموعة “أو سي بي” تصنيع حمض الفوسفوريك والصور الكيميائية للفوسفور في الأسمدة والأسمدة ذاتها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

ويُستخدم حمض الفوسفوريك في تصنيع الحديد 2 والفوسفات إف إي 3 “بي أو 4″، وهو مركب يُطلق عليه ملح الحديد المستخرج من حمض الفوسفوريك.

ويُستخدم الحديد 2 لتصنيع فوسفات حديد الليثيوم الذي يمكن الاعتماد عليه بصفته كاثودًا في بطاريات السيارات الكهربائية.

وباستخدام الفوسفات والحديد -الذي يعدّ المغرب مُصدّرًا صافيًا له- في تصنيع بطاريات فوسفات حديد الليثيوم بديلًا عن استخدام بطاريات (النيكل، والمنغنيز، والكوبالت)، يمكن للرباط التمتع بميزة في التكلفة تزيد عن 70% لكل كيلوغرام.

وبجانب ذلك، لا يشكّل فوسفات الحديد مصدرًا سامًا مثل أكسيد الكوبالت أو المنغنيز، كما أن بطارية فوسفات حديد الليثيوم لها عمر افتراضي أطول وقدرة على فقد السعة أبطأ من بطارية (النيكل، المنغنيز، الكوبالت).

وتوصف بطارية فوسفات حديد الليثيوم بأنها أكثر أمانًا من بطارية (النيكل، والمنغنيز، والكوبالت)، إذ إن الأولى لها ثبات حراري أكبر ومعدل إطلاق للحرارة أقلّ، ما يخفض احتمالات تعرّضها للانفجار أو الاشتعال.

وأعلنت شركة “تيسلا” الأميركية، في تقرير الربع الثالث للعام الماضي (2021)، تحولها إلى استخدام بطاريات فوسفات حديد الليثيوم على النطاق العالمي.

وكان وزير الصناعة المغربي رياض مزور قد أكد دراسة بلاده إنتاج بطاريات ساكنة لتخزين الطاقة المتجددة، إلى جانب إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.

وتتشابه بطاريات الليثيوم أيون الساكنة مع خط إنتاج تيسلا “ميغا باك” التي أعلنتها الشركة الأميركية عام 2019 للتخزين على نطاق المرافق، ويشير ذلك إلى إمكان أن تصبح “تيسلا” إحدى الشركات المتنافسة على المصنع الضخم “غيغا فاكتوري” في المغرب.

الخلاصة

أنتجت عمليات التعدين لشركة “أو سي بي” -عام 2020- ما يُقدَّر بنحو 40.7 مليون طن من الفوسفات، وصدّرت ما يقرب من 10.3 مليون طن من المادة الخام.

صنّعت مجموعة “أو سي بي” 7.1 مليون طن من حمض الفوسفوريك باستخدام الفوسفات المُنتج محليًا، صدّرت منه 1.9 مليون طن.

وقد تحتاج الرباط إلى زيادة إنتاج الفوسفات وحمض الفوسفوريك في حالة الاتجاه لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب محليًا، من فوسفات حديد الليثيوم.

وكانت مجموعة “أو سي بي” قد أعلنت، في شهر مايو/أيار الماضي، زيادة إنتاج الأسمدة العام الجاري بنسبة 10% (ما يعادل 1.2 مليون طن إضافي للسوق العالمية)، في محاولة لاحتواء نقص الأسمدة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، ويتطلب حجم الإنتاج الجديد زيادة في إنتاج الفوسفات وحمض الفوسفوريك.

ويحتاج المغرب إلى دعم تنوّع الأسواق المنتجة للفوسفات، إذ إن المجموعة المملوكة للدولة “أو سي بي” قد يُحتمل عدم قدرتها على الوفاء بخطط زيادة الإنتاج، ما يشكّل ضغطًا على الطلب ما بين سوق الأسمدة وبين بطاريات فوسفات حديد الليثيوم.

ويتعين على شركاء المغرب من المساهمين في إنتاج بطاريات فوسفات حديد الليثيوم دعم الرباط وحثّها على تطوير السعة الفائضة من الفوسفات، مثلما تفعل شركة أرامكو لاستقرار أسواق النفط.

أمّا مجموعة “أو سي بي” المنتجة، فيجب عليها التحكم في الطاقة الفائضة من الفوسفات حسب العرض والطلب.

ومن جانب آخر، لدى المغرب إمكانات هائلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ ما يشير إلى أهمية تعزيز سلسلة صناعة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، وصناعة الفوسفات بالطاقة المتجددة، لضمان إنتاج مستدام ومتوافق مناخيًا للتنقل الأخضر.

وتلبي مجموعة “أو سي بي” ما يقارب 89% من الطلب على الطاقة خلال إنتاج الأسمدة والفوسفات عبر التوليد المشترك ودمج إعادة استخدام الطاقة المستنفذة لتوليد كهرباء نظيفة تكلف أقلّ من مثيلاتها المولّدة من الوقود الأحفوري مع مصادر الطاقة المتجددة.

كما يتعين على الشركاء من الغرب دفع تشغيل صناعة السيارات الكهربائية في المغرب بالكامل، اعتمادًا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المنتجة محليًا، إذ إن تلك الخطوة من شأنها أن تضفي مزيدًا من المرونة على سلسلة التوريد، وتضمن تصنيع سيارات للتنقل الأخضر صديق البيئة.

ملحوظة:

أعادت “الطاقة” نشر المقال وترجمته للّغة العربية بموافقة الكاتب والناشر.

نُشر المقال لأول بالموقع الإلكتروني لمعهد الشرق الأوسط، ومقرّه واشنطن.

** تعريف بالكاتب:

زميل غير مقيم ضمن برنامج معهد الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة.

يُدرّس بجامعة نبرة الإسبانية، شارك بالبرنامج الأفريقي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

أحد كبار الباحثين بالمعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.