“دويتشه فيله” تتساءل عما إذا كانت الأزمة المغربية الألمانية تتجه نحو القطيعة

0

في تقرير مفصل، تناول موقع إذاعة صوت ألمانيا “دويتشه فيله” تطورات الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا، الأخيرة، مستعرضا مكامن الأزمة بين البلدين وتداعياتها على مستقبل العلاقات بينهما، متسائلا عما إذا كانت الأمور تسير في اتجاه القطيعة.

وبحسب التقرير فإنه لم تمض سوى أشهر قليلة على إعلان المغرب شهر مارس الماضي على “تعليق كل  اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها”، حتى تلت ذلك أمس الخميس (07 مايو/أيار 2021) خطوة أكثر تصعيدا وتتمثل في استدعاء الرباط لسفيرتها في برلين من أجل التشاور.

بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية المغربية أوضح أن من بين أسباب هذا القرار هو اتخاذ ألمانيا “موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ جاء هذا الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأمريكي، الذي اعترف بسيادة  المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفا خطيرا لم يتم تفسيره لحد الآن…”.

محمد السادس وأنجيلا ميركل (أرشيفية)

رد ألمانيا على التصعيد المغربي لم يتأخر طويلا، إذ أوضحت الخارجية الألمانية “بأنها فوجئت بهذه الخطوة، قائلة إنه لم يتم إبلاغها بها مسبقا وأن الاتهامات محيرة”. وأضافت الخارجية الألمانية “لقد فوجئنا بهذا الإجراء لأننا نبذل جهودا بناءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة”، وأضافت الوزارة إنها طلبت توضيحا من المملكة المغربية.

فهل يعني هذا التطور في الموقف المغربي توجها نحو القطيعة في العلاقات الألمانية المغربية؟

حسب الخبير المغربي الدكتور أحمد نور الدين الباحث في العلاقات الدولية، فإن إقدام الرباط على استدعاء سفيرته في برلين هي “خطوة دبلوماسية عادية جدا” في العلاقات بين الدول ولا تدخل في خانة قطع العلاقات، “وإنما هي خطوة من أجل إيجاد حل للعديد من المشاكل التي تراكمت وشكلت ترسبات في العلاقات بين البلدين، بدأ بقضية الصحراء المغربية ومحاولة ألمانيا التأثير على الموقف الأمريكي بعد اعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصحراء.. والإقصاء المغربي من الملف الليبي وعدم استدعائه في مؤتمر برلين الخاص بليبيا…”

قصة اليوتوبر محمد حاجب التي “أشعلت النار”

لكن يبدو أن النقطة التي أفاضت الكأس هي قضية الناشط المغربي الألماني محمد حاجب، الذي يقوم بنشر فيديوهات على منصة يوتيوب تنتقد السلطات المغربية، والذي تحول إلى أحد المعارضين للنظام المغربي في الخارج.

واعتقل حاجب سابقا في المغرب، وبقي رهن الاحتجاز لمدة 7 سنوات، ثم أطلق سراحه بتاريخ 17 فبراير/ شباط 2017حيث عاد إلى ألمانيا.

وطالب المغرب السلطات الألمانية بمتابعته تحت مزاعم التحريض على أفعال “إرهابية” ودعوة الشعب المغربي إليها، لكن القضاء الألماني رأى أنه لم يقم إلا بحقه في معارضة سلمية. وبعد ما فشلت الحكومة المغربية في هذا الإجراء مع السلطات الألمانية أصدرت أمرًا دوليًا بالقبض عليه، غير أنه في نهاية المطاف، أصدرت لجنة المراقبة في الإنتربول قرارًا بإلغاء هذا الأمر.

وأفادت مجلة “شبيغل” الألمانية على موقعها، بأن النيابة العامة الألمانية لم تستطيع إثبات التطرف الإسلامي لدى حاجب كما أن المعني بالأمر أيضا ينأى بنفسه عن العنف حيث يقول “أنا لا أدعو للعنف وإنما أقول للناس اذهبوا للاحتجاج وبشكل سلمي” حسب ما جاء في “شبيغل”.

ويحمل حاجب ألمانيا أيضا المسؤولية المشتركة في اعتقاله عام 2010 في الدار البيضاء ورفع دعوى أمام القضاء يطالب الحكومة الألمانية بدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقته من ذلك، وكسب الدعوى.

تحليل: فجوة في العلاقات بين مغرب محمد السادس وألمانيا ميركل | سياسة واقتصاد  | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 04.03.2021
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال إحدى زياراتها للمغرب

الصحراء الغربية.. قضية مفصلية

ويبقى ملف الصحراء هو الملف الجوهري في الخلافات المغربية الألمانية، فالمغرب يعتبر قضية الصحراء الغربية قضيته الأولى ويسعى لحشد الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي الموسع كحل لهذه الأزمة التي عمرت طويلا. ونجحت المملكة المغربية، برأي مراقبين في الآونة الأخيرة في انتزاع اعتراف مجموعة من الدول بسيادتها على الصحراء الغربية، آخرها اعتراف الولايات المتحدة بـ”مغربية الصحراء” في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

لكن يبدو أن الموقف الألماني ثابت بهذا الخصوص ولا يتغير. فألمانيا ترفض الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وتعتبرها منطقة متنازع عليها حسب الأمم المتحدة. وأكدت الخارجية الألمانية هذا الموقف في مؤتمر صحفي اليوم (07 مايو/ أيار 2021) حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبار بأن “موقفنا من قضية الصحراء الغربية ثابت ولن يتغير”، مضيفة “أوضحنا سابقا بأننا لم نستوعب قرار ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية”.

وهذا بالذات أكثر ما يزعج المغرب ويجعله يقدم على الخطوات الاحتجاجية الأخيرة، التي تعبر عن عدم رضاه عن الموقف الألماني من قضية الصحراء الغربية. فماذا ينتظر المغرب من ألمانيا في ملف الصحراء؟

يرى خبير العلاقات الدولية والمختص في قضية الصحراء الغربية الدكتور أحمد نور الدين أن المغرب يطلب من ألمانيا أن تكون إيجابية وأن لا تحاول التأثير على قرارات الدول الأخرى السيادية، مثلما حدث مع الموقف الأمريكي من خلال دعوتها لاجتماع طارئ لمجلس الأمن “من أجل التأثير على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء”.

ويضيف الخبير المغربي “ألمانيا كانت شريكة أو على الأقل شاهدة على الأحداث التاريخية التي أدت لخلق مشكل الصحراء في مؤتمر برلين 1884 وألمانيا كقوة أوروبية وعلى اطلاع تام بالاتفاقية التي تمت بين فرنسا وإسبانيا عام 1902 و1904 والتي أدت إلى تقسييم أراضي المملكة المغربية”.

تعاون أمني من جانب واحد؟

وتلقي الأزمة الأخيرة أيضا بضلالها على العلاقات الأمنية المغربية الألمانية، حيث سبق للمغرب أن قدم في أكثر من مرة معلومات استخباراتية عن تهديدات إرهابية على الأراضي الألمانية، مثلما ما حصل مع الاعتداء الذي استهدف سوق أعياد الميلاد في برلين حسبما جاء في موقع “شبيغل”.

بالمقابل ينتظر المغرب من ألمانيا أن تكون ملزمة بتعاون مماثل في القضايا التي تهم أمنه وقضاياه الحيوية. ويوضح الخبير أحمد نورالدين ذلك بالقول “التعاون الأمني والقضائي لا ينبغي أن يكون في اتجاه واحد. فإذا كان المغرب قد ساهم في إحباط عمليات إرهابية في شتوتغارت عام 2018 وقدم معلومات استباقية هامة جدا سنة 2016 لتفادي عملية الدهس في برلين. فإن ألمانيا بالمقابل لا تريد حتى تسليم مطلوبا لدى القضاء في قضايا إرهاب، بل وفرت له الغطاء السياسي ومنحته الجنسية. وكشفت عن طريق حكم لمحكمة إدارية ألمانية عن معطيات أمنية حساسة كان قدمها المغرب”. وهو ما يعني أن ألمانيا تريد أن تستفيد من التعاون الأمني المغربي دون أن تكون ملزمة بتعاون مماثل. على حد قول الخبير المغربي.

أيضا التعاون فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين للمغرب أصبح صعبا جراء الأزمة الأخيرة بسبب عدم توفير السلطات المغربية لجوازات الأشخاص قيد الترحيل أو توضيح هويتهم.

بحث عن حلول وليس قطيعة

وبعيدا عن الأزمة الأخيرة فإن المغرب تربطه مصالح اقتصادية مشتركة مع ألمانيا، إذ تعد ألمانيا من أهم الشركاء التجاريين للمغرب مسجلة العام الماضي صادرات بلغت قيمتها 1,9 مليار يورو وواردات تناهز 1,3 مليار.

وبدون شك ستكون لهذه الأزمة أيضا تداعيات اقتصادية إذ لن يكون بإمكان الحكومة الألمانية منح مبلغ 225 مليون يورو الذي وعدت بتقديمه للمغرب كقرض لمساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة في المغرب لمواجهة آثار جائحة كورونا. نفس الشيء ينطبق على مبلغ 12 مليون يورو، حسبما أكدته وزارة التعاون الاقتصادي الألمانية.

الملك محمد السادس والمستشارة أنجيلا ميركل في لقاء سابق

ونظرا للمصالح الأمنية والاقتصادية بين المغرب وألمانيا تستبعد خبيرة  العلاقات الدولية في جامعة بريمن كريسن تهين حصول قطيعة في العلاقات المغربية الألمانية. وتعتبر أن ما يحدث “استعراض عضلات من المغرب للتعبير عما يروق له وما لايروق له، وفي النهاية أعتقد أنه سيتم احتواء المسألة من الجانب الألماني ومن ثم عودة الدفء للعلاقات بين البلدين”.

وهو ما أكدته متحدثة باسم الخارجية الألمانية ماريا أديبار في مؤتمر صحفي اليوم عندما قالت “من وجهة نظرنا فإنه لا يزال بالطبع وفي مصلحة كلا البلدين مواصلة العلاقات الدبلوماسية على نطاق واسع. ولهذا الغرض كنا على اتصال مع الجانب المغربي في الأسابيع المقبلة…”

وحتى من الجانب المغربي يرى خبراء أن الخطوة المغربية الأخيرة ينبغي أن تفهم على أنها بحث عن الحل وليس عن القطيعة.

الناس/عن “دويتشه فيله”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.