رحّلهم النظام الجزائري الغاشم في عيد الأضحى.. ماذا تعرف عن المغاربة المطرودين من الجزائر؟+صور وفيديو

0

الأعمال العدائية المتصاعدة من النظام العسكري الجزائري ضد المغرب، والتي ظهر ابرز تمظهراتها في الآونة والأشهر الأخيرة، من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، وإغلاق أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي كان يمر عبر التراب المغربي، أملا في خنق اقتصاد البلد الجار الغربي، بل والتلويح بخوض حرب ضد المغرب لـ”عقابه” على “أعمال عدائية” وهمية، وغيرها من التحرشات، ليست غريبة على البلد الجار الشرقي للمغرب، الذي يشهد التاريخ بجرائمه في حق المغرب والمغاربة، ومن ذلك الطرد الإجرامي لعشرات الآلاف من المغاربة، في ديمسبر 1975، ردا على المسيرة الخضراء المظفرة، التي استرجع بها المغرب صحراءه من الاحتلال الاسباني.    

تفيد الشهادات أن النظام الجزائري جرد الأسر المغربية المطرودة من كل أغراضها ونفائسها الثمينة

وقد عرفت العلاقات الجزائرية المغربية قمّة توترها خريف سنة 1975، فبعد التطمينات التي أرسلها الرئيس الجزائري الهواري بومدين إلى السلطات بالرباط، بأنّ موقفه من الصحراء داعم لـ”التفاهم الحاصل بين البلدين الشقيقين المغرب وموريتانيا في شأن المنطقة، والهادف إلى توطيد دعائم الأمن والطمأنينة والاستقرار والتعاون”، حسب ما ورد في بيان مشترك وقّعه وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة والملك الحسن الثاني (الأحرى وزير الخارجية المغربي)؛ تغيّر ذلك الموقف لتميل كفة دعم الجزائر نحو جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الصحراء، وفق ما أفاد موقع “تلفزيون وراديو تركيا”.

شهادات مؤلمة لأطفال تم إخراجهم من طرف أفراد الشرطة الجزائرية من مدارسهم لإلحاقهم بأهلهم يوم الطرد الغاشم من الجزائر إلى المغرب

آنذاك كان المغرب يعدّ للضغط على المحتل الإسباني كي ينجلي عن تلك الأراضي التي استعمرها لأزيد من 90 سنة، بمسيرة سلمية أطلق عليها الملك الحسن الثاني “المسيرة الخضراء”، حيث توجّه 350 ألف من المغاربة عزلاً مقتحمين حدود تلك المناطق المحتلة وقتها، مرغمين مدريد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي ستتفتق عن اتفاق ثلاثي بينها وبين الرباط ونواكشوط.

الأمر الذي أثار حفيظة الجزائر، ودفع علاقاتها بالرباط إلى بلوغ أقصى مراحل التوتر، خصوصاً مع بداية الاشتباكات المسلّحة بين الجيش المغربي والجناح المسلح للجبهة الصحراوية. وكردٍ على هذه التطورات اختارت سلطات الجزائر طرد نحو 45 ألف أسرة مغربية قسرياً من أراضيها، كانوا مقيمين بمختلف المدن الجزائرية، بعد أن جُرّدوا من ممتلكاتهم وبيوتهم.

الطرد ليلة العيد

“كنت طفلاً آنذاك، لكن ما زلت أتذكّر كل تفاصيل الطرد الذي تعرضنا له من الجزائر”، يقول حميد العاطي الله لإحدى وسائل الإعلام المغربية. حميد هو أحد أبناء “المسيرة الكحلاء” كما شاعت تسميتها إعلامياً، حينما طردت السلطات الجزائرية آلاف المقيمين المغاربة عن أراضيها، رداً على “المسيرة الخضراء المغربية” وتوقيعها وموريتانيا اتفاق مدريد الذي يُعيد سيادة أراضي الصحراء إليهما مناصفة.

“عائلتي كانت تعيش وضعيّة مستقرة في الجزائر، ووالدي كان يعمل مع شركة فرنسية هناك، ولأمّي خمسة إخوة ماتوا شهداء في الجزائر، دفاعاً عن تحريرها”، كل هذا لم يشفع له ولعائلته أمام “العذاب النفسي الذي مورس علينا، من ترحيل في شاحنات للزبالة وحافلات مهمشة، وتجريدنا من كل ممتلكاتنا، وإعادة تفتيشنا جميعاً في النقطة الحدودية للجزائر، قبل رمينا أمام الحدود المغربية” يضيف حميد في شهادته، وهو الذي ما زال بعد أزيد من 45 سنة مرّت على الواقعة يعيش بـ”ذاكرة معذّبة” حسب وصفه.

يعود تاريخ ذلك القرار إلى 18 ديسمبر 1975، وبينما الأمّة الإسلامية تحتفل يومها بعيد الأضحى المبارك، كانت دوريات الشرطة الجزائرية والدّرك تدور على بيوت الأسر المغربية، تستدعيهم للتهجير دون السماح لهم حتى بفرصة توضيب حقائب لسفرهم المصيري ذاك بلا رجعة.

وفيه من استُدعي قبلها، يقول ميلود الشاوش، الذي كان طفلًا وقت تهجيره، بأنه كان داخل الفصل الدراسي حين حلَّ شرطيان بالزي المدني وبدآ في المناداة على اسمه وأسماء أطفال آخرين، “تملكني الخوف حين اقتادونا نحو المجهول”. يُردف ميلود أنه لم يكن يعرف وطناً وقتها غير الجزائر، التي ولد بها وترعرع في حياة هنيَّة إلى يوم وقوع الحادثة.

وتحكي المذيعة الرياضية المغربية، قائمة بلعوشي، بحسرة عن قصة قضائها ليلة في قبو مخفر بوهران ليلة تهجيرها وعائلتها، حيث لم يتعدَ عمرها وقتها 11 سنة، قائلة: “بعد تجميعنا، حُشرنا نحو 100 شخص في زنزانة ضيّقة بقبو مخفر بوهران، حيث كان الهواء خانقاً مثقلاً بالروائح العفنة كون تلك الزنزانة لم يكن فيها مراحيض أو قنوات صرف”. وتضيف: “في الصبح، حملونا ليأخذوا بصماتنا؛ تخيلوا طفلة في عمر 11 سنة تؤخذ بصماتها وكأنها مجرمة” تقول قبل أن تغلبها دموعها.

فيما ألم هذه المأساة الإنسانية ليس حصراً على من ألمّت بهم من مغاربة جراء قرار السلطات الجزائرية، بل حتى العائلات الجزائرية التي مُزّقت بعد أن هجّر الطرف المغربي منها، والآباء الذي فقدوا نساءهم وأبناءهم، والأمهات اللاتي فقدن أبناءهن وأزواجهن. يقول المحلل السياسي الجزائري عبد الله أنس، وهو أحد من شهدوا الواقعة: “أنا أذكر وأنا ابن الغرب الجزائري.. وأذكر وكم أندم على نفسي وأخجل، بالرغم من أنه رُفع عني القلم، لأني لم أكن بالغاً ذلك الوقت”.

هذا فيديو نادر للمغاربة المطرودين من الجزائر يبرز جانبا من معاناة آلاف الأسر الذين وجدوا انفسهم بين عشية وضحاها يطردون من منازلهم دون أن يلووا عن شيء من أغراضهم

واسترسل أنس: “عندما فتحنا أعيننا في يوم عيد الأضحى، وأنا أسكن في ولاية بين تلمسان وبلعباس، إخواننا الذين درسوا بيننا، ولعبنا معهم، والصبى قضيناه مع بعض، طُردوا”، مردفاً: “قرار أهوج، صلّينا الصبح، فإذا بسيارات الجيش وسيارات الدرك الوطني تدق الأبواب على الجزائريين، لأنهم بالنسبة لنا جزائريون، نحن عمّرنا مَعْرَفنا (لم نكن نعرف) أنهم مغاربة، وهم بالنسبة لنا جزائريون.. خالتي الزكراية والله خلات (تركت) العيد (الأضحية) معلق، خاذوهم (أخذوهم) بالقوة ورماوهم (ورموا بهم) في الشاحنة” !

البحث عن جبرَ الضرر !

ما زال المغاربة المطرودون من الجزائر ينتظرون جبر ضرر لا يبدو للسلطات في العاصمة نيّة الاعتراف به. وفي المغرب، حيث استقروا بعد طردهم، أسسوا جمعية “المغاربة ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر”، للنضال من أجل هذا الحق. حيث يعملون على توثيق شهادات المطرودين وحفظ ذاكرة الحادثة، وتنظيم وقفات احتجاجية للتذكير بقضيتهم وتجديد مطالبهم للحكومة الجزائرية.

جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر وفي خطوة لتدويل قضية أعضائها قدمت شكوى رسمية امام محكمة العدل الدولي بلاهاي لاعتبار قضية طردهم جريمة ضد الإنسانية وللمطالبة برد الاعتبار لهم وجبر الضرر الذي لحق بهم

سنة 2015، قررت الجمعية رفع شكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، للنظر في قضيتهم ضد الدولة الجزائرية. واصفة قرار الطرد بأنه “يمكن تصنيفه في خانة الجرائم ضد الإنسانية”. داعية إلى “تنفيذ توصيات الأمم المتحدة” في قضيتهم، والتي تنصّ على “حلّ الملف، وتعويض الضحايا، وجبر ضررهم، وإرجاع ممتلكاتهم”.

هذا، وسبق إحداث لجنة ثنائية مغربية جزائرية لدراسة ملفات المغاربة، وتحديد تعويضات مالية، للذين رُحّلوا قسراً من الجزائر، لكنّها لم تأتِ بأي إنصاف للمتضررين إلى الآن.

دعوات للسلطات المغربية بالترافع عن الملف..

وبرأي الكاتب الصحافي نورالدين اليزيد فإنه إذا كان النظام الجزائري ما فتئ يروج ويلقن الأكاذيب لشعبه، بأن هذا “العدو” المغربي قد حقره وحقر بلادهم منذ فجر استقلالها، وهو ما بات لدى هذا النظام محور سياسته الخارجية، وأساسها، التي تستهدف بالأساس الوحدة الترابية للمغرب، مع ما يغدق عليها طيلة عشرات السنوات ولازال من أموال طائلة، فإن ما يجب فضحه للعالم أجمع، وأن تنخرط فيه الدولة المغربية اليوم، ومعها مكونات المجتمع المدني، والإعلام، وزعماء الأحزاب، بل وحتى خبراء إعداد البرامج التعليمية والأكاديمية، هو رسم خطة عمل هجومية، يبدو أنها تأخرت كثيرا لأسباب غير مبررة، يتم فيها إماطة اللثام عن هذا الفعل الإجرامي المقيت، الذي ارتكبه النظام العسكري الجزائري الحاقد واللئيم والسيء الذكر، في حق عشرات الآلاف من المغاربة !

وليس من الحِكمة في شيء، يضيف الصحافي اليزيد، أن تستمر الدولة المغربية متقاعسة وملتزمة حكمةَ صمتٍ لا مبرر لوجوده، ومتهاونة في دعم بعض الفاعلين الجمعويين، ممن يعتبرون من أبناء المُهجّرين في تلك الليلة الليلاء، والذين ما فتئوا يدقون الأبواب تلو الأخرى، محليا ودوليا، ويعرِّفون بقضيتهم الإنسانية التي تحمل أوجاعا وآلاما، من أجل مساعدتهم على إلزام النظام الجزائري الغاصب والمجرم في حقهم، على جبر ضررهم، وما أكثره وما أفظعه !

لقد آن الأوان للنظام والدولة المغربية أن تتسلح بكل ما أوتيت من مسؤولية وواجب وطنيين، من أجل أن تُبوئ ملف المطرودين من الجزائر، ما يستحقه من اهتمام؛ فلا أظن أي مغربي حر وغيور على أبناء وطنه، أن تكون هذه القضية أقل وزنا وقيمة واعتبارا من القضية الوطنية الأولى للمغاربة جميعا، وهي قضية الصحراء ! ولتكن إذن قضية الدفاع عنهما واحدة، مادامت هذه مرتبطة بتلك، ولتتسع حقيبة المسؤولين المغاربة المدافعين والمفاوضين لأجل قضية الصحراء، تتسع لتشمل أيضا قضية هؤلاء المغاربة المجروحين المكلومين، والذين تعرضوا للطرد المهين، وقبله للإهانة والمهانة والسرقة والسلب والنهب وقطع الرحم مع أهليهم وذويهم من طرف نظام أشبه بالعصابة أو أدنى منها خُبثا وحقدا ولؤما وسفحا، يخلص المتحدث نفسه.

الناس/متابعة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.