عندما توقع الأكاديمي المقيم بأمريكا محمد الشرقاوي حقيقة الموقف الأمريكي إزاء الصحراء

0

توقع الباحث المغربي محمد الشرقاوي أن تكون الرواية التي نقلها موقع “أكسيوس”، بخصوص زعم الإدارة الأمريكية الحالية بأن لا تراجع موقف دونالد ترامب المؤيد لمغربية الصحراء، في مقال تحليلي،  (أن تكون رواية) غير صحيحة، حتى قبل أن تنفيها واشنطن رسميا، يوم أمس الثلاثاء 4 ماي الجاري، ما يجعل توقعات الشرقاوي، وهو أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا، والباحث المقيم بأمريكا، مبنية على أسس واقعية، وتعكس خبرة رجل يعرف كيف تدار الأمور في أوساط صناع القرار الأمريكي.

وهذه هي مقالة الشرقاوي التحليلية.

 بلينكن يدرأ الحرج مع الجزائريين والمغاربة.. ورواية “أكسيوس” غير صحيحة!

محمد الشرقاوي*

ثمة أكثر من مفارقة في فحوى الاتصاليْن الهاتفييْن اللذين أجراهما وزير الخارجية الأمريكي أنثوني بليكن مع نظيره الجزائري صبري بوقادوم (الخميس) ونظيره المغربي ناصر بوريطة (الجمعة). أولى المفارقات أن بلينكن تفادى في حديثه مع بوقادوم وبوريطة الخوض في قضية الصحراء والاعتراف، بقدر ما ركز الحديث على العلاقات الثنائية مع البلدين وتطورات منطقة الساحل وليبيا ومالي.

وأوضح بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن الحوار الهاتفي الأول بين بلينكن وبوقادوم تناول “سبل تعزيز العلاقات الثنائية والقائمة على القيم المشتركة والمصالح المتبادلة”. وعبر الوزير بلينكن عن “تقدير بلاده لدور الجزائر في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا”. وشدد على “قوة الشراكة الأمريكية الجزائرية”. غير أن الوزير بوقادوم حاول الاستثمار في فرصة الاتصال مع بلينكن بالتلويح ب “تقدير بلاده لدور الجزائر في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا”، وإقحام عبارة “…خاصة الأوضاع في الصحراء الغربية، ليبيا، مالي.” لكن بلينكن والسفارة الأمريكية في الجزائر نشرتا تغريدتين تعيدان فحوى الاتصال الهاتفي إلى حقيقته.

وجاء في البيان الثاني للوزارة أن بلينكن رحّب في الاتصال مع بوريطة بالخطوات المغربية لتحسين العلاقات مع إسرائيل، وقال إن “العلاقة المغربية الإسرائيلية ستحقق فوائد طويلة الأمد للبلدين”. وناقش الطرفان فرص زيادة التعاون في إفريقيا لتعزيز الازدهار الاقتصادي والاستقرار، وذكّر بلينكن بدور المغرب الرئيسي في تعزيز الاستقرار في منطقة الساحل وليبيا، وبالإصلاحات بعيدة المدى للملك محمد السادس خلال العقدين الماضيين. وشجع بلينكن المغرب على مواصلة تنفيذ هذه الإصلاحات وتأكيد التزامه مجددا بحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وأشاد بقيادة الملك محمد السادس في “مكافحة تغير المناخ والاستثمار في الطاقة المتجددة، وشجع المغرب على المساعدة في تعزيز النمو الاقتصادي الأخضر والتنمية في إفريقيا.”

وتكمن المفارقة الثانية في أنّ بلينكن وبقية أعضاء حكومة بايدن يتعمدون تجميد الحديث عن اعتراف الرئيس السابق دونالد ترمب بسيادة المغرب على الصحراء. وكان مساعدو الوزير بلينكن خلال الترتيبات لإجراء الاتصالين الهاتفيين قد أبلغوا الجزائر والرباط أن عددا من قرارات الرئيس السابق ترمب، ومنها قضية الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، لا تزال قيد المراجعة، وأن الوزير بلينكن يفضل عدم الخوض فيها.

جاء حديثا بلينكن بشكل منفصل مع بوقادوم وبوريطة بعد أسبوع من جلسة مجلس الأمن حول قضية الصحراء، وموقف مندوبة الولايات المتحدة ليندا توماس غرينفيلد التي دعت المجلس لإصدار بيان حول الخشية من مغبة التصعيد في الصحراء، وهو اقتراح لم يعتمده المجلس، فيما أيدت التوصيات الثلاث: حث أطراف الصراع على التعاون الجاد مع بعثة المينورسو، والتعجيل باختيار مبعوث شخصي جديد للأمين العام، وتحريك عجلة المفاوضات السياسية المباشرة بين طرفي الصراع.

تغطية صحفية.. أم تلاعب سياسي؟

تنطوي المفارقة الثالثة عمّا يرقى إلى تضليل إعلامي من قبل موقع “أكسيوس” وما كتبه مراسله في تل أبيب باراك رافيد. وتقول مصادر مطّلعة في واشنطن إن رواية المراسل غير صحيحة. ففي مقالة بعنوان Scoop: Biden won’t reverse Trump’s Western Sahara move, US. Tells Morocco “سبق صحفي: بايدن لن يقلب خطوة ترمب بشأن الصحراء الغربية، الولايات المتحدة تبلغ المغرب”، قال رافيد إن مقالته استندت إلى “مصدريْن قريبيْن من أجواء مكالمة بلينكن وبوريطة أبلغاه بأن حكومة بايدن لن تقلب اعتراف ترمب في الوقت الراهنfor the time being”. وأضاف في فقرة لاحقة أن “بلينكن قال إن حكومة بايدن لن تقلب سياسة ترمب في الوقت الحالي for now.“

غير أن المصادر تؤكد أن رواية مراسل “أكسيوس” من تل أبيب، وليس من مقر وزارة الخارجية، لم تنقل حقيقة ما تم خلال الاتصال الهاتفي، وأن الوزير بلينكن والمتحدث باسم الوزارة نيد برايس كان الحاضريْن الوحيديْن في القاعة لحظة إجراء الاتصال وسط الإجراءات الاعتيادية لضمان سرية الاتصالات التي يجريها الوزير. وعلى الرغم من تلويح المراسل رافيد بعنوان مثير “سبق صحفي Scoop:…”، لم تنقل أي من وسائل الإعلام الأمريكية المعروفة مثل الواشنطن بوست، أو نيويورك تايمز، أو قنوات سي إن إن وإي بي سي، أو المواقع الإخبارية عن موقع أكسيوس. ويعزى هذا إلى احتراس هذه المؤسّسات الإعلامية من عدم وجود ما يؤكد صحة الرواية ذات المصدر الواحد، وعدم قناعتها بأنه “سبق صحفي” حقيقي.

كان باراك رافيد هو الصحفي الوحيد الذي نشر فحوى مقابلة أجراها مع وزير الخارجية ناصر بوريطة في الثالث والعشرين من ديسمبر خلال زيارة الوفد الأمريكي الإسرائيلي المشترك بقيادة جاريد كوشنير ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات للرباط وتوقيع الاتفاق الثلاثي. وكان عنوان المقالة Exclusive: Moroccan foreign minister urges Biden to keep Trump’s deal “حصري: وزير خارجية المغرب يحث بايدن على الحفاظ على صفقة ترمب”.

والملاحظ الآن أن البيان الصحفي الذي أصدرته وزارة الخارجية كوثيقة رسمية لم يشر إلى قضية الصحراء أو الاعتراف، وتأكّد ذلك في تغريدتيْ بلينكن نفسه الخميس والجمعة، مما ينمّ عن منطق التفادي والتحاشي للقضية ولو كثرت ضغوط الجزائر والرباط واللوبيات التي تعمل لصالحهما. وهو منطقٌ لا تستقيم معه فرضيةُ وجود قرار نهائي جاهز لدى حكومة بايدن، خاصة وأن واشنطن السياسية تعمل عادة بأسلوب إرسال مؤشرات أولية عن الإعلان عن القرارات المهمة الجاهزة. ولو كانت وزارة الخارجية والبيت الأبيض قد حسما موقفهما إما باعتماد الاعتراف أو تجاوزه، لكان مراسلو الواشنطن بوست أو نيويورك تايمز أو وول ستريت جورنال قد نشروا ما ينبئ عن ذلك مثل استشراف القرارات المرتقبة عادة في واشنطن. ولهم مصادرهم داخل وزارة الخارجية والبيت الأبيض وبقية مراكز اتخاذ القرار.

من وما هو “أكسيوس”؟

بدأ موقع أكسيوس الإخباري عام2017 بمثابة مشروع إعلامي، في ضاحية أرلنتغتون بولاية فرجينيا، يتوخى أن يكون نصف الطريق بين أسلوبي مجلة الإكونومسيت وتوتير بحصر طول المقالات في 300 مائة كلمة. وتعود الفكرة إلى تعاون ثلاثة صحفيين سابقين في موقع “بوليتيكو” هم جيم ڤاندهاي ومايك آلن وروي شوارتز بعد حشد استثمارات من شركات مختلفة بلغت ثلاثين مليون دولار في نوفمبر 2017. وفي مارس وأبريل 2019، نشر موقعا “هافبوست” و”وايرد” مقالتين حول دفع أكسيسوس مبلغا إلى ويكيبيديا من أجل “تحسين سمعة أكسيوس من خلال تعديل المقالات حول هذه الشركة ومراسلها جوناثان سوان.”

بانتظار برغماتية الدبلوماسية المغربية!

بين الفهم والتأويل لما نشرته وزارة الخارجية والتصديق أو الاحتراس مما نشره موقع أكسيوس مسافة ليست بالقصيرة. وثمة اختبار موضوعي مرتقب سينبئ عن حقيقة سياسة الرئيس بايدن، هو ما إذا كانت وزارة بلينكن ستبدأ في الأيام المقبلة التنسيق مع بقية الوكالات الفيدرالية بشأن فتح قنصلية أمريكية في الداخلة، وهي من بنود الاتفاق بين الرباط وحكومة ترمب قبل القبول بمقايضة التطبيع والاعتراف. ولن تتوقف التأويلات الترجيحية لدى الأطراف إلا بتصريح يحدد موقف حكومة بايدن بشكل صريح.

لكن قد يذهب البعض إلى الترويج لرواية مراسل أكسيوس بما يوحي أنها تأكيد أو خِتْمٌ دامغ على أن سياسة بايدن ستجاري أو تبني على ما أعلنه ترمب في العاشر من ديسمبر الماضي. هم يفعلون ذلك إما بحكم دافع الثقة الساذجة بمقولة أن صحفيي تل أبيب “يعرفون” أكثر مما يدركه مراسلو واشنطن السياسية وأن اللوبي الإسرائيلي قوي في أمريكا، (وهذه فرضية لم تعد صحيحة في حقبة الرئيس بايدن الذي لم يستجب للضغوط المتتالية لحزب الليكود ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل العدول عن استئناف العمل بالاتفاق النووي الإيراني واستكمال مفاوضات ڤيينا، ويصر على تحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية بمعزل عن مصالح إسرائيل)، وإما من باب التعبئة المقصودة للرأي العام المغربي وتجديد نفس الحماسة الوطنية ب”فتح دبلوماسي” بعد مائة يوم من رئاسة بايدن وسط خيبة الأمل في الرباط. وقد اختزلت مقالة علي سالم التامك حالة التوجس والقلق من حقيقة موقف البيت الأبيض، خاصة بعد جلسة مجلس الأمن في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، بعد ثلاثة أشهر من التخمين والانتظار.

لحظة الحقيقة أمام المغاربة!

لا غرابة أن يحتفي كثيرون برواية الصحفي باراك رافيد وتحويلها إلى سردية رائجة ومرجع لبعض محللي الخط المرسوم حول ” تأكيد” أو “إقرار” موقف ترمب من قضية الصحراء، وأن حديث الجمعة كان حسما نهائيا من قبل الرئيس بايدن بعد مائة يوم من تولّيه الرئاسة في البيت الأبيض. وقد لا ينتبه كثيرون إلى أن ربط المراسل في تل أبيب روايته الخبرية بعبارة “حتى الوقت الراهن” مرّتين يعيد القضية إلى المربع الأول، وبصيغة أخرى أن حكومة بايدن لم تحسم موقفها بعد، وهو ما قاله بلينكن خلال حديثه أمام أعضاء مجلس الشيوخ في التاسع عشر من يناير، وعبر عنه المتحدثان باسم الخارجية والبيت الأبيض في فبراير الماضي.

ثمة مغالطة ينبغي التنبيه إليها وهي الاحتماء والاستقواء بجماعات الضغط أو اللوبي في الولايات المتحدة، وأن اليهود المغاربة في إسرائيل سينسقون مع اللوبي اليهودي في أمريكا من أجل إقناع حكومة بايدن بالحفاظ على شطري الصفقة: التطبيع والاعتراف. لكن ما يضعف هذه الفرضية أن اللوبي اليهودي يحتاج حاليا للوبي إضافي للدفاع عما يطمح إليه حزب الليكود ونتنياهو في هذه المرحلة التي يبارك فيها البيت الأبيض شطر التطبيع ويتفادى شطر تزكية الاعتراف.

هي مرحلة حاسمة في مسار صراع إقليمي ممتد منذ ستة وأربعين عاما تقتضي الصدق الوطني والشفافية في نقل ما يدور في واشنطن على حقيقته إلى الرباط. ولا تحتمل الافتعالَ أو الكذبَ على الشعب المغربي وعلى الملك محمد السادس، ولا على ذاكرة جيل التضحية في المسيرة الخضراء وتركة الراحل الحسن الثاني، بالترويج لروايات مفتعلة ومواقف غير محسومة، أو النفخ في قِرَبٍ صحفية مهزوزة المصداقية، أو الدفع بإسقاطات رومانسية عابرة للمحيط الأطلسي.

يقول الصديق حجي سعيد في ردّه على إحدى مقالاتي في هذا السياق “من حق ملايين المغاربة أن يتساءلوا ما الذي يمنع الرئيس بايدن من تأكيد اعتراف امريكا بسيادة المغرب على صحراءه، مادام أن ملايين المغاربة ينتظرون هذا التأكيد حتى تنتهي هذه اللعبة السينمائية من التشويق والكولسة والبيع والشراء من تحت الطاولة؟ إذا كان المغرب حليفا كبيرا لامريكا، واذا كان المغرب كما قال بايدن وهو نائب الرئيس بمراكش يعشش في قلوب الامريكيين، فما الذي يؤخره في اعلان البشرى للمغاربة وطي هذه الصفحة من التأويلات والتأويلات المضادة؟!”

هو سؤال مهمّ وملهم في آن واحد حول خيارات الرباط ومسؤولية الدبلوماسية المغربية في هذه المرحلة. ومن الجلّي أن حكومة بايدن تكرّس عمليا مع أسميتُه “الموقف الثالث”، وهو لا تزكية اعتراف ترمب ولا إلغاؤه حتى إشعار آخر، أو كما تفيد المقولة الشعبية المأثورة “لا هي مزوجة… لا هي مطلقة”، والتمسك بالمسار السياسي بوساطة الأمم المتحدة. وسيظل موقف بلينكن ومن خلفه الرئيس بايدن يتريث في المنطقة الرمادية في إدارة صراع الصحراء مرحليا، ومسك العصا من الوسط بين المغرب والجزائر ، وأيضا مراعاة مواقف الدول الإقليمية شمال البحر المتوسط التي يريد بايدن إنعاش التحالف معها وتعزيز الشراكة الأوروبية الأمريكية إزاء طموحات روسيا لتشييد قاعدة غربي البحر المتوسط.

من المرتقب أن تكرس حكومة بايدن هذا الموقف الثالث: لا تبنّي الاعتراف ولا تجاوزه خلال الأشهر السبعة المقبلة بانتظار جلسة التاسع والعشرين من أكتوبر لعقد الجلسة السنوية لتحديد مصير المينورسو. وستجد في تأييد مسار الأمم المتحدة مخرجا مناسبا وتوفيقيا بين التوقعات المغربية والجزائرية، وهو تجسيد ضمني لخيار توازن المصالح مع دول المنطقة.

*أستاذ تسوية الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا.

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.