في لغةِ التدريس وإنعاشِ العبث!
زكية حادوش
استمراراً للعبث “الرسمي” (لاحظواْ أني لا أقول الحكومي) في هذه البلاد السعيدة، جاءنا الجدل حول قانون لغات التدريس الذي أسقط أوراق التوت المهترئة الأخيرة التي حاول “السي سعد” وإخوانه سَتْرَ عَوْراتهم بها منذ تقلدهم المناصب الوزارية في “المحكومة” الحالية.
ما هذا العراء؟ عفوا الهراء في تدبير شؤوننا واتخاذ قرارات مصيرية تحكم على أبنائنا وأبناء أبنائهم بالتخبط في التخلف والعشوائية والتبعية؟ كيف يتم التوافق بين المكونات “الحكومية” على صيغة معينة ثم يخرج عليهم رئيس الحزب “الحاكم” السابق صاحب “تقاعد المظليين” بمباشر (أو لايْفْ بلغة النت) فتنقلب الأمور، ويبدأ “باليهْ” الكراسي الفارغة في مجلس النواب وتبدأ “الأغلبية الحكومية” الهشة أصلاً التي لم يقدر على توليفها تلك التوليفة الغريبة سوى “المخزن” في التصدع، وينوبنا نحن المعنيين بالأمر مباشرة صداع الرأس…
نعم، صداع الرأس لأن أموراً مثل التعليم (ولغات التدريس) تهمنا في المقام الأول، فنحن لم ندرس في مدارس البعثات الأجنبية باختيار آبائنا وأمهاتنا الذين أرضعونا “الوطنية” وربونا عليها ولقنونا معها الكفاف والعفاف و”قْصوحية الرأس” إلى درجة أننا لم نسجل أبناءها بدورنا في تلك المدارس وأدخلناهم مدارس “المخزن” (كما يقول البسطاء منا) التي غادروها وقعدواْ في منازلهم عندما وصل التعليم العمومي إلى الدرك الأسفل بفعل إيكاله إلى من لا يملك الحس بالمسؤولية ولا الرؤية اللازمة ولا الشجاعة الكافية لاجتراح البديل وإبداع منظومة تعليمية عوض إدخال الجثة إلى غرفة الإنعاش وإعطاء قبلة الحياة لميت غادرنا منذ زمان، سواء من طرف الحكومات المتعاقبة علينا لسنين تعاقب اللئام على مأدبة الكرام أو من طرف “المجلس الأعلى” الذي يقرر ويفتي على رأس كل عشرية ويبدع مخططات استعجالية تأتي على الأخضر واليابس وتهدر فيها الملايير دون فائدة تذكر، اللهم مقر هذا المجلس الذي يليق بمقامه العالي (مثل أي تكشيطة مخزنية فاعلة تاركة!) وتفويت حراسة المدارس والإعداديات والثانويات إلى شركات “الأمن” الخاصة لأصحابها “فلان وابن فلان” وهدم أسوارها المبنية بالحجر لتعويضها بأسوار من آجر وإسمنت مغشوشة وإنشاء زوجات فلان (نعم نفس الفلان السابق) مدارس خاصة تتفوق على مدارس البعثات الأجنبية بفرنسييها وأمريكانها وإسبانييها من حيث “الزواق” وتنافسها من حيث الأسعار (نفس الأسعار إن لم يكن أكثر).
الأدهى من ذلك أن الخطابات الرسمية، بالرغم من بوليفونيتها، تلتقي في نهاية المطاف لتنتقد “النظام” التعليمي المغربي (إن سلمنا أن الفوضى تعتبر نظاما كذلك) وتدعو إلى إصلاحه (إنعاش الجثة بدل دفنها) وتركز على مفهوم “الجودة”. عفواً، ربما لم أدرس “الجودة” جيداً لأني درستها في مدرسة عمومية (المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية)، لكني لم أقرأ في “الإيزو 9001” أن الأطفال سلعة يجب أن تخضع لمقاييس الجودة في مداخل ومخارج سلسلة إنتاجها وفي تسويقها وكذا مناولة إنتاجها إلى الأغيار والتحكم في قطع الغيار (حسب النسخة المعدلة لنفس المعيار)!
هذا هو النقاش الذي لا يريدوننا أن نخوض فيه فيما يتعلق بالتعليم، أي نقاش من يحكم؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وهل هي نفس الجهة؟ وبالتالي مشروعنا المجتمعي الذي لا تشكل التربية والتعليم فيه سوى حجراً، لكنه حجر الزاوية الذي لا يقوم بدونه بنيان ولا يستوي. النقاش ليس هو لغات التدريس لكن أهدافه ومضامينه ودرسوه حتى بالصينية إن شئتم! والصراع الحقيقي ليس هو صراع اللغات بقدر ما هو التفاوت المجالي والطبقي في إنتاج الثروة والاستفادة منها، وكذا غياب إنتاج المعنى في البلد واستهلاك الوصفات الجاهزة سواء الإسلاموية التي تآكلت من فرط الاستعمال أو الحداثوية التي تكرس التبعية في العمق أو حتى “المعتدلة” التي تنتمي إلى فصيلة “الدجاج الهجين” (الكروازي)! وقد نكون منهم إن تقبلنا هذا العبث…