العودة إلى أصول التراث الثقافي في ”جامع الفنا” عبر ديوان ”روح الروح” للعربي عيشان
اكتظت ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش نهاية الأسبوع الماضي، على هامش اليوم العالمي للشعر والكتاب، بجمهور غفير تحلق حول حلقة أثثتها جمعية الحاج محمد بوستة لفن الملحون بمراكش بإيقاعات موسيقية تراثية في غاية من الروعة، ونظمت قراءة نقدية تحليلية للديوان التي قدمها الدكتور موسى فقير(الصورة أسفله) المختص في النقد المسرحي والتراث الشعبي.
وقام الشاعر العربي عيشان بإلقاء بعض من قصائد ديوانه، مرتديا بذلة تقليدية خضراء رمزيتها تعود للعلم الوطني الأحمر الذي تتوسطه نجمة خضراء، معبرا عن تعلقه بالهوية المغربية، رغم أنه يعيش في بلاد المهجر لكن يشده الحنين والتعلق ببلده الأم المغرب.
كما قام الحكواتي المغربي الشهير محمد بارز باستعراض لوحات قرائية متميزة لبعض متون الديوان، مرتديا لباسا تراثيا في غاية من الجمال يستهوي فضول الحاضرين ويتعانق مع المخيلة الشعرية لفطاحل الشعراء في الشعر العربي في العهد الجاهلي كامرؤ القيس، وعنترة بن شداد، وطرفة بن العبد، والنابغة الذبياني… وغيرهم.
وما ميز هذا التجمع الفني الإبداعي التراثي هو الحنين للعودة إلى أصول الحضارة القديمة عند القبائل العربية التي كانت تجتمع في سوق عكاظ وذي المجاز ومجنة، حيث كان الرواد يطارحون الأشعار في خيمة النابغة الذبياني؛ وهذه المبادرة التي قام بها هؤلاء المشاركون والتي تستحق التشجيع، لا يمكن إلا أن تساهم بقسط وافر في إعادة إحياء الثقافة الشعبية القريبة من المتلقي والتي تسمى “الحلقة” ومن خلالها بعث تراثنا الشعبي الغني بمتونه وتلاوينه، وذلك عبر الإكثار من تنظيم مثل هذه المبادرة وتعميم تنظيمها بكل الساحات الوطنية التاريخية، خدمة للفعل الثقافي المغربي ولتراثه الفكري، حتى لا يبقى التنيشط الفني حبيس الجدران في الأماكن المكيفة والصالونات المسيجة بـ”هيبة” مزعومة لا مجال لها في التراث الإنساني.
في هذا الصدد اقتطفنا بعض الفقرات حول موضوع القراءة النقدية التي قام بها الباحث موسى فقير للديوان، الذي يطفح بعدة دلالات رمزية وفكرية نستمد منها الدلالات التالية:
دلالة العشق الجنوني
إن الحضور الزجلي في “روح الروح” يستمد حمولته الفكرية والفلسفية من التمظهرات الغزلية المسيطرة في الديوان، والتي تعلن عن وجودها القوي داخل متن الديوان، وهي ملمح رئيس، يساهم في تماسك نسيج بنياتها الدلالية، بمختلف أشكالها ومستوياتها. لنستمع إليه وهو يشدو:
اسحرني مول الشامة والخال
الشامة مركمة بسبع ألوان
كل لون زادو سر جمال فجمال
الشامة تسلب غرام الغيوان
عثنون بالشامة هزم بطال
زين زينو يسحر يسلب فتان[1]
لى هذا المنوال ينسج العربي عيشان خيوطه الزجلية في “روح الروح”، وهو بهذا الخصوص يمكن نعته بأنه طائر الحب العذري، الذي يتنقل بين الضفاف في شتى مرابع الطبيعة المسكونة بحب تاريخ الهوية المغربية.
دلالة الرمز والتراث
إن العربي عيشان في زجله، لا يتنكر للتراث في أدبه، لكنه يوظفه بطريقة متمنعة ذكية، خدمة لأغراضه الفكرية ورؤيته للعالم، وتلك ميزة ينفرد بها كل زجال مبدع، ولا نعدم الصواب إذا زعمنا، أن رموز الشاعر تتشكل من طينة التشبث بالثقافة الشعبية، فهو لا يترك أي سنحة تمر دون أن يرفع عقيرته بالشدو والنشيد لحبه لمقوماته وطنه التراثية، تيمنا بعشقه لبلدته في أبعد صورها وتلويناتها، وهو دوما تجده يتحسر على تلك الأشكال الشعبية الغائبة، التي كانت تدور أطوراها في مواسم الأولياء فهو ينشد.
العجب أعباد الله لعجب
شي بشر يالطيف ينافق ويكذب
لكناوي أو عدي خسارة ما بقى يجدب
والعيساوي ما بغ يتحير وايندب[2].
على هذا المنوال يركب العربي عيشان صهوة جواده في نظم الشعر الزجلي، الذي يستوحي مضامينه من فن الملحون المغربي الغني بخصائصه الجمالية والإيقاعية بتيمات تعالج العشق والحياة والمواقف الإنسانية في أبعد صورها التعبيرية.
أعده: د. موسى فقير
[1] – العربي عيشان، ديوان روح الروح، قصيدة حب الشامة والخال، ص137.
[2] – العربي عيشان، ديوان روح الروح، قصيدة العهد: ص55.