جلسة عمل ملكية
حسن طارق
ترأس الملك يوم الأربعاء الماضي، جلسة عمل خُصّصت لتقديم ودراسة مخطط العمل المتعلق بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع المصنع «بي إس أ بوجو – سيتروين».
الجلسة حضرها رئيس الحكومة والوزراء الموقعون على الاتفاقيات المذكورة ومجموعة من مديري المقاولات العمومية المعنية.
تاريخيا، وإلى جانب ترؤُّس الملك للمجالس الوزارية، شكلت جلسات العمل الملكية إحدى صيغ المساهمة المباشرة في صناعة السياسة العامة للدولة؛ حيث إنه عادة ما يكون موضوع هذه الجلسات يهم إحدى القضايا الأساسية للبلاد؛ وذلك بحضور المسؤولين المباشرين عن الملف المطروح (وزير، مسؤول مؤسسة أو مقاولة عمومية…)، وغالبا ما يكون الملك، الذي يترأس الجلسات، مرفوقاً بأحد مستشاريه، فيما لم يكن يتم استدعاء الوزير الأول- سابقا- في أكثرية هذه اللقاءات. وتحرص وسائل الإعلام العمومية على تغطية هذه الجلسات، انطلاقاً في الغالب من بلاغ للديوان الملكي.
وإذا كان الانتقال إلى دستور 2011، وما رافقه من خطاب حول نهاية «الملكية التنفيذية»، قد جعل المتتبعين يطرحون السؤال حول مصير هذه الجلسات الملكية، فإن الممارسة شهدت استمرار هذه الصيغة، وإن كان ذلك بوتيرة أقل؛ حيث تم الإعلان رسميا، دون احتساب جلسة الأربعاء، عن ثلاث جلسات عمل؛ الأولى في ظل حكومة ذ. عباس الفاسي، وخصصت لتتبع سير البرامج المندمجة في مجال الطاقات المتجددة.
أما جَلْسَتَا العمل الملكية الثانية والثالثة، فقد انعقدتا في ظل حكومة ذ.عبد الإله بنكيران؛ حيث خُصصت الثانية لموضوع «السلوكات غير اللائقة ذات الصلة بالرشوة وسوء المعاملة الممارسة من قبل عدد من عناصر الأمن العاملين في عدد من المراكز الحدودية»؛ وذلك بحضور وزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، والجنرال كور دارمي قائد الدرك الملكي، والمدير العام للأمن الوطني، والمدير العام للجمارك والضرائب غير المباشرة.
وبالنسبة إلى الجلسة الثالثة، فقد خُصّصت لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بإشكالية الهجرة، وإذا كانت الجلستان الأولى والثالثة لم تثيرا الكثير من النقاش داخل الأوساط الإعلامية والسياسية والأكاديمية، رُبما بالنظر إلى طبيعة موضوعَيْهِمَا اللذان يتجاوزان الزمن الحكومي، فإن الجلسة الثانية، وعلى العكس من ذلك، أثارت ردود فعل بعض القيادات السياسية والباحثين والصحافة. حيث تم الوقوف على الإشكالية التي تطرحها القرارات المُتخذة خلالها، وعلى مدى اعتبارها منسجمة مع الدستور المغربي.
هذا، وكان الأستاذ محمد الساسي اعتبر، مثلاً، أن التدابير المتخذة في جلسة العمل الملكية، تلك، والمتعلقة بالأمر الملكي بفتح تحقيق في سلوكات صادرة عن عناصر أمن، هي عبارة عن مهام «يفهم من الدستور الجديد أنه أوكل لها أمر النهوض بها إلى الحكومة، وحصر صلاحيات الملك في ما تم التنصيص عليه صراحة في الدستور»…
عُموماً تطرح هذه الجلسات سؤال موقع الملك بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، وأساسا إشكالية تَمفْصُل العلاقة المُلتبسة بين الاختصاصات الملكية المتعلقة بالإشراف الاستراتيجي والصلاحيات الحكومية في مجال السياسات العمومية.
فكما يُمكن أن تُقرأ كمؤشر لعودة الملكية التنفيذية، يُمكنها أن تُعتبر إحدى آليات تجسيد ملكية «استراتيجية»، مُهتمة بوظيفة تتبع ما يقع خارج دورة الولايات الحكومية.
وهنا فإن أهمية وحيوية الوظيفة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية المنطلقة من مشروعيتها التاريخية والسياسية، يجب أن تتماشى مع الحرص على ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية المنطلقة من الشرعية الانتخابية، ومن فكرة ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن ملء الحكومة لكامل مساحتها الدستورية، وحده سيسمح ببروز أوضح لوظيفة اليقظة الاستراتيجية للمؤسسة الملكية.
فالمؤكد، كذلك، أن الانتقال إلى لحظة الملكية الاستراتيجية، ليس مرتبطاً فقط، بتطبيق الدستور، لكنه مرتبط بممارسة الفاعلين، ذلك أن «زهد» الحكومة في ممارسة صلاحياتها، لن يكون في المقابل سوى طلب متجدد على تمديد حياة الملكية التنفيذية.