نورالدين اليزيد
في “المهرجان” الذي نظمه مؤخرا تنظيمه الشبابي بالمدينة الحمراء اتهم رئيس الحكومة والأمين العام للحزب “الحاكم” عبد الإله بنكيران خصومه السياسيين بأنهم يشكلون خطرا على الملك، هذا بعدما وصفهم بأنهم من المُقبِّلين يد الملك كثيرا !
وبغض النظر عن عادة تقبيل اليد تلك الذميمة التي تحبل بالرياء والتملق والخنوع أكثر مما تعبر عن تقديرٍ واحترامٍ وتبجيلٍ، فإن الاتهام في حد ذاته هو خطير جدا ويشكل هو نفسه خطرا جسيما على الملك وعلى النظام عموما؛ أولا لأن هذا الاتهام صادرٌ عن رجل دولة صنفه الدستور ثانيا بروتوكوليا في البلاد، وهو ما يمكن أن يحمل جدية ومصداقية أكثر وأكبر ينبغي التحوط لأجله والعمل على البحث فيه وفي من قد يكونون من وراء ذاك الخطر. وثانيا لأن الاتهام جاء سابقا على معطيات أوردها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، في ذات المهرجان الخطابي، وكلها (المعطيات) رسائل واضحة –ولا نقول مشفرة- للنظام أو لمن يسميها “الناطقون باسمه” “الدولة العميقة” بأن لولا مجيء حزب بنكيران إلى الحكم، بل واستمراره، لما اختلفنا عن دول الجوار التي يعم فيها اللأمن والفوضى والقتل والدمار !! بمعنى أن السيد بنكيران يقولها صراحة: أنا أو الطوفان..في هذه البلاد !
لعمري إنه هو الخطر لا غيره ! وعندما يصدر مثل هذا القول عن رجل دولة كان له موقف سابق، هو مُوثَّق بالصوت والصورة والكتابة، عن عادة التقبيل و”الأشياء الأخرى” التي تتم في حفل “البيعة” كل سنة، لكنه لما جاء إلى الحكم بات الأكثر تكريسا لتلك العادات، بل ويسبح بكرة وأصيلا باسم الملك إلى درجة مثيرة للشك والريب جعلت خصومه السياسيين، لأول مرة في التاريخ السياسي الوطني، لا يترددون في الكتابة إلى القصر لحض الرجل على ترك اسم الملك وشأنه بعيدا عن السجال والتنافس السياسيين، فإن المسألة تصبح أكثر مدعاة للوقوف كثيرا أمام هذا التناقض الغريب والعجيب لخطاب هذا الرجل “الإسلامي”، الذي غيّر وبدّل بين عشية وضحاها القناعات التي آمن بها طيلة حياته الحركية والسياسية، فأنكر جملة وتفصيلا صلته بتنظيم “الإخوان المسلمين” فقط لأن الأخير كان حظه عاثرا في أرض الكنانة وأطيح بقادته من الحكم وزج بقياداته في السجون !!
الطامة الكبرى التي يبدو أن السباق بل التكالب على صناديق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أعمى بصيرة “زعيم” حزب العدالة والتنمية “الإسلامي” وجعله يخطب خطبة الواثقين في شبيبته، يوم الأحد بمراكش، بالقول “الديمقراطية مقابل الأمن والاستقرار”، واعدا أتباعه بتحقيق نصر في الاستحقاقات المقبلة، وحاثّا إياهم بحماس زائد عن اللزوم بمراقبة من سماهم “اشْمايت”، تتجلى (الطامة الكبرى) في كون بنكيران ينفي بـ”لدغة” لسان كل رصيد المغاربة التاريخي من الديمقراطية –على علاتها- التي عرفها المغرب منذ الاستقلال وإلى اليوم؛ بحيث لولا هذه الديمقراطية وإن كانت من قبيل “الديمقراطية الحسنية” التي كان فيها جمر ورصاص كثير لكن وتمثيلية نيابية وتعددية حزبية أيضا، لَمَا كُتب لهذا الوطن أن يصل وهو مستقر آمن على طبق من ذهب إلى رئيس الحكومة هذا الذي أصبح اليوم يشترط –تلميحا وتصريحا- على المغاربة وعلى “من يهمهم الأمر” بقاء حزبه في سدة الحكم حتى لا يتعرض أمنهم واستقرارهم لرجة واهتزاز شبيه بما يعيشه الجيران، على حد ما يُستشف من كلام عبد الإله بنكيران !
الخطر الآخر..
ثمة خطرٌ آخر داهم لمستقبل المغرب لا يُصرح به رئيس الحكومة فقط، وإنما يُفعله على أرض الواقع بجُرأة نادرة تدعو إلى كثير من علامات الاستفهام بالنظر إلى كون مخرجاته لن تكون بردا وسلاما على السلم الاجتماعي بهذا البلد الآمن، وهو ما قد يتبعه لا سلمٌ سياسي ولا أمني، لا قدر الله..
الأمر يتعلق بترسانة القوانين والمراسيم والقرارات التي سنتها الحكومة الحالية بقيادة الحزب “الإسلامي”، والتي كان المستهدف منها بالدرجة الأولى هو المواطن البسيط ذا الدخل المحدود والمتوسط، وقبلهما عديم الدخل، بحيث رُفعت أسعار العديد من المواد الحيوية وأخرى في طريق الرفع من أسعارها، بقصد إصلاح صندوق المقاصة والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية؛ وكأن ليس هناك اقتصاد ريع يسود في البلاد، وليست هناك أجور موظفين سامين ونواب برلمانيين مرتفعة ومنتفخة بدرجة خرافية تسحق أن تكون مصادر تمويل لأية إصلاحات من شأنها أن تضخ الملايين في خزينة الدولة، دون التحرش بجيوب ذوي الدخل الضعيف والمتوسط، ودون تجويع منعدمي الدخل !
إنها ذاتها القرارات التي ستوقف أو تقلل –في أحسن الظروف- من نسب توظيف أبناء الوطن في مختلف قطاعات الوظيفة العمومية؛ وكمثال على ذلك فإن معظم مباريات الولوج إلى الوظيفة العمومية، وتحت شعار النزاهة والمساواة المفترى عليهما، أصبحت في عهد الحكومة الحالية عسيرة الولوج من قِبل غالبية أبناء الشعب، بعد إضافة شروط تعجيزية لم تكن في عهد أية حكومة سابقة، تماما كما أصبحت عليه مباريات وزارة العدل التي تشترط التسجيل الإلكتروني واستعمال البريد المضمون في تقديم طلب الترشيح لمبارياتها أو بعضها، وهو ما يغفل –عن عمد أو غير عمد- الوضعية الضعيفة والهشة لشريحة مهمة من المجتمع التي تفتقد للمال وغير المرتبطة بالشبكة الإلكترونية ! (هذا نموذج فقط وهناك العديد من النماذج لقطاعات أخرى).
إنها القرارات نفسها التي بشرتنا مؤخرا بعزم الحكومة على قرب التوقيع على عقود مع الطلبة الدكاترة لأجل التدريس مقابل أجر شهري بـ 5000 درهم، وهو ما يواري خلفه رغبة جامحة للحكومة في إغلاق باب التوظيف على مستوى التدريس في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى، ما يجعل شوارع العاصمة تستقبل في مستقبل الأيام مزيدا من حملة الشواهد العليا الغاضبين !
الحكومة صادقت أيضا على مراسيم مؤخرا تقضي بتحويل مراكز التأهيل للتدريس، من مراكز كانت تخرج المكوَّنين والمتدربين وبيدهم تأشيرة أو شهادة التعيين في وظيفة التدريس، إلى مشاتل لصنع العاطلين بعدما باتت لا تخول التوظيف مباشرة وتلزم على متخرجيها اجتياز مباريات التوظيف، والأنكى من ذلك تقزيم التعويض المالي للمتدربين إلى النصف !
هذا غيض من فيض الأخطار والمخاطر التي باتت تحذق بمغربنا العزيز على عهد هذه الحكومة، وهذا ما يجعل من حق المرء التساؤل عما إذا كانت الرغبة في خلق “فوضى خلاقة” هي المحرك الأساسي للحزب الحاكم وهو يذكرنا جميعا في كل حين ومناسبة بكون المغرب لم يجتز بعد “ربيعه” الذي انطلق في 20 فبراير سنة 2011، حتى ولو كان هذا الحزب يردد دوما “التغيير في ظل الاستقرار”، من باب المناورة طبعا، وهو ما لا نتمناه له ولنا !
أخيرا..نحن لا نتهم أحدا ولا نحاسب النوايا، ولكن هي فقط خطب “الزعيم” بنكيران و”ألسُنه الناطقة” باسمه وبأمره و”حروب” كثائب حزبه الإلكترونية، من يجعلنا نشك في خلفيات هذا الإصرار المنقطع النظير على لعبه على الحبلين وعلى سياسة لي الأذرع التي لا يتردد في اتباعها.