“التجربة السويدية” والصحراء

0

نورالدين اليزيد

إذا كانت “التجربة الدانماركية” التي جسدها الفنان المصري عادل إمام في الفيلم الكوميدي المشهور قد أضحكتنا فإن “التجربة السويدية” مع قضيتنا الوطنية رقم 1، كما نردد على الأقل، تكاد تُبكينا وتنسينا كل لحظات التفكه والفرح والمرح، وذلك لخطورة هذه التجربة القادمة من بلاد اسكندنافيا هي الأخرى مع الفارق الكبير بين الإضحاك والإبكاء !

وفي الصميم الذي لا يريد البعض الخوض فيه تفاديا للإحراج وبحثا عن ملاذ آمن للهروب من المحاسبة عن الأخطاء المتراكمة في الملف، تعالوا نسمي الأمور بمسمياتها ونعرف بعض الأسباب الكامنة وراء أن تتبنى دولة كالسويد، يشهد لها العالم بديمقراطيتها المتقدمة جدا، أطروحةً يدافع عنها شرذمةٌ من المرتزقة لا يهمهم لا بناء وطن ولا مصير شعب بقدر ما يهمهم انتفاخ أرصدة بنكية راكموها بسرقة وبيع المساعدات الإنسانية.

وكما يعرف الجميع بأن الجزائر الداعم الأساسي بل والكفيل الشرعي لهذا الابن العاق المسمى (بوليساريو)، أنفقت أموالا طائلة لزرع لوبيات تتبنى شعارات “الحق في تقرير مصير الشعوب” أو على الأقل تدافع فقط عنها وتتعاطف معها. وقد كان التركيز شديدا من قِبل الجاثمين على صدر الشعب الجزائري من العسكر على الأحزاب والمجموعات المعتنقة للفكر الاشتراكي اليساري، لاسيما في الدول الأكثر اهتماما بحقوق الأقليات واللاجئين كما هو الشأن بالنسبة لدول أوروبا الشمالية ومنها السويد. وفي ظل تصاعد “المد الاشتراكي” في غالبية الدول الأوروبية لأسباب عدة منها الأزمة الاقتصادية بالأساس التي تضرب العالم منذ سنوات، فإنه كان ولا بد أن تحمل هذه الأحزاب الاشتراكية معها إلى الحكومات التي وصلت إليها زادها وأفكارها وبرامجها التي مِنها مثل قضية الاعتراف بدُويلة صحراوية لا توجد إلا في أجندات الداعين إليها وإن كان هؤلاء حققوا مكاسب على الأرض وفي القانون الدولي تدعم مسعاهم في النيل من سيادة المملكة على أراضيها !

إن المتطلع والمراجع لبنود قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الصحراء الصادرة على الأقل منذ انطلاق المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت رعاية الأمم المتحدة سنة 2007 وإلى غاية آخر قرار ( أبريل 2015 وهو القرار رقم  2218)، سيُلفت انتباهه تركيزُ جميع هذه القرارات على كلمة “شعب الصحراء الغربية”، وكأن هؤلاء شعبٌ وشعبُ المغرب هو شعب آخر لا تربطه بأشقائه الصحراويين أواصر الدم والعقيدة والتاريخ والمصير المشترك؛ لتكون وحدها كلمةً خفيفة على مِداد الأمم المتحدة لكنها ثقيلة في ميزان العلاقات الدولية والقانونين الدولي والدستوري !

كيف ذلك؟

المعروف أن أول ما يتم تلقينه لطالب السنة أولى حقوق في مادة القانون الدستوري بالجامعة هو أن مكونات الدولة ثلاثة أركان: هي أولا الإقليم (أي الحيز الجغرافي الواجب توفره لتأسيس دولة)، ثم ثانيا الشعب (أي السكان الذين سيقطنون الإقليم)، وأخيرا الركن الثالث لتأسيس دولة وهو السلطة أي الذين سيحكمون هذا الشعب على هذا الإقليم !

وعندما تتحدث وثيقة (قرار) صادر عن الأمم المتحدة عن “شعب” صحراوي فإنها تقر بوجود هذا الشعب، وذلك في غياب أية ردة فعل من الدولة المغربية التي كان على دبلوماسيتها التحرك منذ أول قرار تضمّن هذا الوصف (أي في سنة 2007)، على اعتبار أنه يقسم الشعب المغربي إلى قسمين ! والسؤال الساذج والبديهي الذي يُطرح هنا هو مدى نجاعة وأهلية مسؤولينا وما إذا كانوا يتوفرون في دواوينهم المتعددة على دارسين للقانون الدستوري والقانون الدولي والعلاقات الدولية حتى لا نقول على فقهاء في هذه المجالات؟ !

وبالإضافة إلى ركن “الشعب” الذي باتت البوليساريو تحظى بتزكية أممية بشأنه، فهناك مسألةٌ أخرى أكثر خطورة تروج لها البوليساريو ومن ورائها الجزائر، منذ مدة، وهو ما تسميه “الأراضي المحررة” ويسميها المغرب “المنطقة العازلة” الخاضعة لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار. هذه المناطق المتواجدة شرق الجدار الأمني الذي بناه الجيش المغربي التي تقارب ثلث منطقة الصحراء والتي تضم كلا من مهيرز، ميجك، تيفاريتي، بير لحلو، زوغ، دوكاج، تيريزيت، أمغالة، وأكوانيت، وبغض النظر عن تسميتها “محررة” أو “عازلة”، تعتبر ورقة مهمة في خطاب الانفصاليين حيث يروجون بأنها الجزء الخاضع لـ”سيادة الجمهورية الصحراوية” بعدما فرضوا أمر الواقع بها وذلك بإقامة منشآت عسكرية وحولوها إلى مناطق عسكرية (أولى وثانية وثالثة…) وهم مستمرون في احتلالها بإقامة احتفالات ذكرى تأسيس دولتهم المزعومة وأنشطة أخرى يستدعون فيها الوفود الأجنبية لأجل التوثيق لذلك واستعمال الوثائق المصورة والمكتوبة في الوقت الملائم والمناسب؛ كل هذا يجري أمام صمت مراقبي بعثة الأمم المتحدة، وفي ظل شكاوى خجولة من الجانب المغربي يتم تدوينها من قبل المراقبين الأمميين تحت بند خرق وقف إطلاق النار وتصدُر بصفة دورية منذ اتفاق وقف إطلاق في سبتمبر سنة 1991.        

وإذا أضفنا إلى العنصرين السالفين اعتبار جبهة البوليساريو نفسها هي “الممثل الشرعي” للصحراويين المقيم على الأراضي الجزائرية (يمكن اعتبار ذلك منفى بمفهوم القانون الدولي)، فإننا نكون أمام مبرراتٍ تجعلنا لا نعض على أناملنا بالنواجذ من فرْط ما فرّطنا في القضية، وحسب، ولكن أمام واقع يفرض علينا قلب الطاولة على الجميع وتمزيق اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقّعناها ذات يوم خريفي من سنة 1991 وجعلتنا نُصاب بتخدير شامل لا نرى ولا نسمع ولا حتى نشم روائح الخطر وهي تتهدد صحراءنا منذ وقت ليس بالقصير..

أضيفوا إلى السالف من القول أن وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم وهي تشرح موقف بلادها، في السنة الماضية، باعترافها بالدولة الفلسطينية، اعتبرت أن تواجد الفلسطينيين بجزء من أراضيهم هو شيء كافي لأن يحظوا بدولة ! إنه ما تسوق له البوليساريو وأعداء الوطن وهو تشبيه قضية فلسطين بقضية الصحراء، بالرغم من أن لا مقارنة بينهما، لكن في ظل وجود المدافعين عن هذا الطرح باستماتة وبما أوتوا من بترودولار، وفي غياب أدوار طلائعية ومبادرة لدبلوماسيتنا المرددة فقط ودوما أسطوانات مشروخة ومتقادمة، فإن السويد على عهد حكم الاشتراكيين الذين تربطهم بحكام قصر المرادية، تاريخيا، عقيدة وإيديولوجية المعسكر الاشتراكي المنهار، من السهل عليها أن تعترف بـ”دولة” ترى أن لديها كل الأركان لتأسيسها حتى ولو كرهنا ورفضنا !

أرأيتم كيف أن “التجربة الدانماركية” أضحكتنا بينما “التجربة السويدية” أحزنتنا وربما أبكتنا؟ !

كل أزمة ووطننا وصحراؤنا بخير.

[email protected]       

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.