السياسة وسؤال المرجعية

0

عبدالعلي حامي الدين

كلمة الأخ عبد الإله بنكيران أمام رؤساء الجماعات والجهات، الذين يتحملون اليوم مسؤولية تدبير الشأن المحلي والجهوي باسم حزب العدالة والتنمية، تستحق التوقف عند بعض مقتطفاتها.

الرسالة القوية التي بدت واضحة لا لَبْس فيها هي عدم التدخل في تدين الناس، فدور المسؤول عن تدبير الشأن العام، سواء كان محليا أم وطنيا، ليس هو تدين المواطنين، باعتبار مسألة التدين مسألة شخصية تشرف عليها من الناحية المؤسساتية جهات مختصة، مثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تباشر مهامها تحت إشراف الملك بصفته أميرا للمؤمنين.

هذه الرسالة هي الترجمة الفعلية لنظرية الفصل بين المجال الدعوي والمجال السياسي، التي سطرها حزب العدالة والتنمية في أدبياته الفكرية والسياسية، ذلك أن مستلزمات العمل السياسي والنهوض بواقع التدبير يندرجان ضمن الشأن الدنيوي، وتفرض التمييز الدقيق بين مجال الدعوة ومجال السياسة، وبين الشأن الخاص والشأن العام. وبذلك فإن مسألة التدين تعود للأفراد وتندرج ضمن دائرة «الحريات الفردية» المضمونة لهم بقوة القانون، والدين أيضا: «لا إكراه في الدين»، ولا مجال فيها  للتسلط على الناس باسم الدين أو إكراههم على نمط معين من العيش، أو على أسلوب محدد في الحياة..

لكن في نفس الوقت هناك حاجة للتأكيد بأن سر نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة يعود إلى مرجعيته الإسلامية بالدرجة الأولى، وقد شكلت مصدر قوة أساسية في أدائه السياسي والتنظيمي.. كيف ذلك؟

هل بحضور هذه المرجعية في البرنامج؟ أم في الخطاب أم في الروح والعلاقات التي تخترق التنظيم؟

في الحقيقة، حضور المرجعية في البرنامج هو حضور حسب الحاجة، فليس هناك مجال للتكلف أو التصنع، بل إن الأهداف التي سطرت في البرنامج كلها تجد مستنداتها في القيم والمعاني الإسلامية، دون حاجة للتعبير عنها بلغة فقهية لا تنسجم مع طبيعة المجال.

ولذلك، فإن تحالفات الحزب مع الأحزاب الأخرى ليست مبنية على أساس إيديولوجي، ولكنها مبنية على أساس برامج اقتصادية واجتماعية تستهدف تحقيق التنمية وتحسين عيش الساكنة وإصلاح البنيات التحتية والنهوض بالشرائح الاجتماعية الفقيرة وغير ذلك، وهذه أهداف لا يمكن للعقلاء أن يختلفوا بخصوصها.

ما من شك بأن المرجعية الإسلامية التي يعتز الحزب بالانتماء إليها، تعبر عن حضورها من خلال قيم التشاور والديموقراطية الداخلية، ومن خلال العلاقات التنظيمية التي تجد أسسها في قيم الأخوة والتعاون والتضحية وخفض الجناح وحسن الظن قبل أن تجدها في القوانين الداخلية للحزب..

وما من شك أيضا، بأن حضور هذه المرجعية في العمل السياسي، من خلال قيم الصدق والنزاهة والشفافية والتفاني في خدمة الناس والتضحية من أجل إسعادهم، وكف اليد عن المال العام والتواضع في العلاقة بالناس …كل هذه القيم ستكون مصدر قوة للحزب في المرحلة القادمة بحول الله.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.