في حوار صريح.. الخبيرة الألمانية فيرينفيلز توضح موقفها من المغرب وترصد التنافس المغربي الجزائري إفريقيا

0

في خطابه للأمة يوم 20 أغسطس/ آب 2021 بمناسبة إحياء ذكرى “ثورة الملك والشعب”، أشار ملك المغرب، محمد السادس إلى “عملية عدوانية مقصودة” يتعرض لها المغرب، وأشار إلى “تقارير” غير محددة “تجاوزت حدود ما هو مقبول” و”تطالب بتقييد تنمية البلاد”. رافق ذلك سلسلة من المقالات في وسائل إعلام مغربية، تناولت بعض “التقارير” بلهجة نقد حادة.

وبحسب موقع “دويتشه فيله” الألماني، فإن من بين هذه “التقارير”، دراسة نشرت في نوفمبر الماضي للباحثة في الشؤون المغاربية إيزابيل فيرينفيلز*. وتعرضت الباحثة الألمانية لهجوم من قبل بعض وسائل الإعلام المغربية، وصل إلى حد اتهامها بالعمل لصالح أجندة معادية للمغرب.

في حوارها التالي مع “دويتشه فيله”  DW تكشف فيرينفيلز  عن جوانب من هذه الدراسة وترد على الانتقادات الموجهة إليها:

DW: سيدة فيرينفيلز، خلال صيف هذا العام تعرضت لانتقادات حادة من بعض وسائل الإعلام المغربية. هذه الانتقادات تتهمك بنشر دراسة ضد السياسة المغربية، وخاصة سياسة البلاد تجاه أفريقيا والدعوة إلى تقليص الهيمنة السياسية والاقتصادية للمغرب لصالح دولتي الجوار الجزائر وتونس. دراستك تعود إلى نوفمبر من العام الماضي. في صيف عام 2021، أي بعد تسعة أشهر تقريباً، ظهرت هذه الانتقادات. برأيك لماذا تأخرت كثيراً؟

إيزابيل فيرينفيلز رئيسة قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين

فيرينفيلز: علينا تناول القضية من المنظور الأوسع للأزمة الدبلوماسية المغربية الألمانية. أسباب التوترات متنوعة وليست دائماً واضحة بشكل تام، لكن الآراء المتباينة حول وضع الصحراء الغربية هي عامل مهم في التوترات الحالية. فالمغرب واجه صعوبات مع العديد من الدول الشريكة، بما في ذلك إسبانيا. فمثلها مثل ألمانيا، لا تعترف إسبانيا بالمطالبة المغربية للاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية.

يبدو أن التوقعات المغربية حول هذا الأمر قد تغيرت، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ديسمبر عام 2020 اعترافه بالصحراء الغربية كأرض مغربية. في المقابل يبدو أن حدة توتر في العلاقة بين إسبانيا والمغرب بدأت تخف. فبعد أن سحب المغرب سفيرته من هناك في مايو/ أيَّار من هذا العام احتجاجا على الموقف الإسباني، يبدو أنّ عودتها إلى مدريد باتت قريبة. أما فيما يتعلق بألمانيا، لا يبدو أن المغرب مستعد بعد لحل الأزمة. من الواضح أن هناك محاولات لترك التوترات تتصاعد مرة أخرى وتصوير ألمانيا على أنها الدولة الأوروبية التي تسعى إلى إبطاء عجلة التنمية المغربية.

بعض المزاعم ضدك قوية للغاية، منها اتهامك بالمطالبة بتقليص القوة الاقتصادية للمغرب إلى أقصى حد ممكن ومنع تطوره إلى دولة مستقلة من جميع النواحي. ما تعليقك على هذا الأمر؟

يبدو لي أن المعلقين يركزون بشكل أساسي على جملة واحدة جاءت في الدراسة التي أنجزتها. لقد كتبت أن الجزائر تحاول إعاقة نجاحات المغرب في أفريقيا جنوب الصحراء، بينما تحاول تونس تقليد المملكة. لقد أوصيت في الدراسة بضرورة أن يفهم الاتحاد الأوروبي الاهتمام المتزايد بأفريقيا جنوب الصحراء كفرصة للتكامل الأفريقي والتعاون الثلاثي بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية  وأفريقيا جنوب الصحراء.

وتابعت بأن “هذا يمكن أن يجعل مطالبات المغرب بالهيمنة نسبياً”. يعتمد المعلقون بشكل رئيسي على هذه الجملة. لقد قرأوها كما لو كنت أطالب بكبح جماح المغرب. في فقرة لاحقة، سأقول بوضوح تام أنه لا يمكن تعزيز السياسة المغربية أو الجزائرية والتونسية، أي التلاعب بالدول ضد بعضها البعض – بل على العكس من ذلك، يجب تعزيز المقاربات البناءة بشكل عام. في ضوء التقدم الهائل الذي أحرزه المغرب في سياسته تجاه أفريقيا والقدرات المتاحة في البلاد، من الواضح أيضاً أن البلد أقل اعتمادًا على الخبرة التقنية الألمانية من تونس أو الجزائر فيما يتعلق بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

 هناك سلسلة كاملة من المقالات ذات الطابع النقدي الحاد، وبعضها بنبرة جدلية. كيف تفسرين حدتها هذه؟

لقد تساءلت فيما بعد عما إن كان من الممكن ألا يقف المعلقون كثيراً عند مصطلح “الهيمنة”، الذي يتم استغلاله الآن بشكل كبير ووضعه في سياق آخر مغاير تماماً عما كان يُقصد به. لقد أشرت بذلك إلى البيان الذي أدلى به الفاعلون في المجتمع المدني في المغرب، الذين ينتقدون نوعاً من التأثير التدريجي المنخفض نسبياً في السياسة الأفريقية، أي أن القليل نسبياً من الثروة المتولدة تصل إلى عموم السكان. هذه بالطبع نقطة حساسة للغاية، والتي قد تسبب بعض الاستياء أيضاً.

في خطابه للأمة في 20 أغسطس / آب 2021، يبدو أن الملك المغربي كان يشير أيضاً إلى دراستك من خلال حديثه عن “تقارير تجاوزت حدود ما هو مقبول” وطالبت “بتقليص التنمية في البلاد”.

يبدو لي أن الأمر يتعلق في الأساس بالعلاقة الألمانية المغربية ككل وليس عني بشكل كبير. الدراسة التي قمت بها كانت مفيدة للغاية في بناء حجة ضد السياسة الخارجية الألمانية. نظراً لأن ألمانيا لم تتبع خط دونالد ترامب في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. فمن الواضح أن دراستي تقدم السياسة الألمانية على أنها مناهضة للمغرب. قد يكون لدى المغاربة أيضاً شعور بأن هناك نوعا من محور بين الجزائر وألمانيا موجه ضد المغرب. لكن هذا القلق لا أساس له على الإطلاق.

في الواقع، هناك انتقادات موجهة لك بالانحياز للجزائر. كيف تردين على ذلك؟

على حسابي الشخصي على موقع “تويتر “، الذي أنشأته في عام 2009، قد تبدو لك نقطة ضعف كبيرة لدي تجاه الجزائر. ونقطة الضعف هذه مبنية على حقيقة أنني حصلت على درجة الدكتوراه حول الجزائر. لكن بالعودة إلى الوراء قليلاً، يتبين أن هذه الجملة كانت خطأ- إذ قمت بانتقاد السياسة الجزائرية مراراً وتكراراً في تغريدات لا حصر لها من قبل. ومن الجدير بالذكر أيضاً، أنني لم أحصل على تأشيرة للجزائر منذ عام 2019، على الرغم من تقديم العديد من الطلبات.

بعض الانتقادات تحمل نبرة مناهضة للاستعمار وموجهة ضد أوروبا أكثر من كونها ضدك. وفق ما جاء في وسائل الإعلام المغربية تريد أوروبا الحفاظ على هيمنتها على إفريقيا إلى أقصى حد ممكن وبالتالي تقويض النجاحات المغربية.

بالنظر إلى المستثمرين الكبار في أفريقيا، مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بشكل متزايد أيضاً تركيا ودول الخليج، فإن هذه المزاعم لا أساس لها بالتأكيد. وحدها فرنسا يمكن أن تشعر بأنها في منافسة مع المغرب في غرب إفريقيا. لدى الاتحاد الأوروبي ككل طموحات أكثر حذراً.

لقد كتبت بنفسي أن أوربا لا تفعل سوى القليل نحو تعزيز التكامل الاقتصادي داخل أفريقيا. عند التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول المغاربية، يجب على الاتحاد الأوروبي التأكد من أنه يأخذ في الاعتبار العواقب المحتملة على منطقة التجارة الحرة الأفريقية التي تم إطلاقها في يناير /كانون الثاني 2020.

هناك أصوات أفريقية، ليس فقط في المغرب، ترى في الاتفاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية محاولة تسعى إلى تقويض التكامل الأفريقي. الحقيقة هي أن الجميع سيستفيدون إذا دمجت أفريقيا نفسها بقوة أكبر وتم القضاء على الفصل الاقتصادي بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.

جاء في الدراسة أيضاً أن سياسة المغرب في جنوب الصحراء قد زادت من حدة التوترات مع الجزائر. كما تم تناول هذه الجملة بشكل متكرر من قبل الانتقادات. ماذا كنت تقصدين من تلك الجملة؟

أولا تمكن المغرب من خلال سياسته في جنوب الصحراء الكبرى من الحصول على اعتراف أكبر في المنطقة لمطالبته بسيادته على الصحراء الغربية. ويزداد يوما بعد يوم عدد الدول من أفريقيا جنوب الصحراء التي تفتح قنصليات لدى المغرب. بالطبع، هذا يزعج الجزائريين، الذين يعتبرون أنفسهم القوة الحامية للصحراء الغربية. لكن في الدراسة، هذا استنتاج وليس حكما. ثانيًا، أدى وجود المغرب في الاتحاد الأفريقي إلى توترات من حيث أن البوليساريو، الممثل السياسي للصحراء الغربية، يلتقي الآن بممثلي المغرب مباشرة في الهيئات ذات الصلة. وهذا أيضا يزعج الجزائريين. لكن هذا ليس خطأ المغرب. ثالثًا، وبشكل أساسي، تأثرت الجزائر بفقدان مكانتها وتأثيرها في القارة الأفريقية واكتساب المغرب النفوذ هناك. هذا ليس خطأ المغرب أيضا. لكن هذه الاختلالات تزيد من التوترات في المنطقة المغاربية.

ما الذي يمكن فعله الآن للتخفيف من حدة توتر العلاقة الألمانية المغربية؟

من منظور مغربي، واضح ما يجب القيام به وهو اعتراف ألمانيا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. لكن هذا غير ممكن من وجهة النظر الألمانية. على حد علمي، أرسلت ألمانيا باستمرار إشارات بأنها تريد العودة إلى العلاقات الطبيعية، كما يمكن الإشارة إلى أن الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ) وعدت بتمويل يقدر بحوالي 1.4 مليار يورو للمغرب. كما أن المغرب قد يستفيد بشكل كبير من وراء التحالف الألماني المغربي للهيدروجين. كل هذا الآن بات في خطر بسبب الأزمة بين البلدين.

النقطة الأخرى هي أن ألمانيا، وبعد أن أحجمت عن دعوة المغرب إلى مؤتمر ليبيا الأول في برلين، قامت بتوجيه دعوة إليه (المغرب) لحضور مؤتمر برلين 2 حول ليبيا والذي عقد في يونيو من هذا العام، لكن الرباط رفضت المشاركة. في نهاية المطاف الكرة الآن في الملعب المغربي.

ماذا عن توتر العلاقات بين المغرب والجزائر؟ وكيف تفسرين قرار الجزائر قطع علاقتها الدبلوماسية مع المغرب؟

أعتقد أن الأمر يتعلق بإرسال إشارة قوية للداخل وللخارج، وهذه الإشارة مفادها أنّ الجزائر عادت إلى المسرح السياسي، ويجب أن يتم التعامل معها بجدية. اختفت الجزائر دبلوماسياً من المشهد من فترة طويلة لا تقل عن عقد من الزمان، بل وأكثر من ذلك. والآن يقول الجزائريون، بمن فيهم وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، عندما يتجول عبر أفريقيا: لقد عدنا. يجب أن نُأخذ على محمل الجد ونحن الفاعل المناهض للتطبيع.

في نهاية المطاف، يريد الجزائريون إظهار أنهم مازالوا واقفين إلى جانب الفلسطينيين، وأنهم لا يشاركون في جهود التطبيع الإسرائيلية العربية. هي إشارة سياسية محلية مهمة أيضاً. في وقت لا تحظى فيه الحكومة الجزائرية بشعبية على الإطلاق. على النقيض من ذلك قد يساعد هذا الحكومة داخليا في اتخاذ إجراءات ضد المنظمات المشتبه فيها أو المتهمين بالتعاون مع المغرب – حركة استقلال القبايل “الماك”، على سبيل المثال و”حركة رشاد” الإسلامية. الآن هناك إمكانية لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضدهم، بسبب تعاونهم مع عدو البلاد، المغرب، كما تروج السلطة في الجزائر. في النهاية فإن التصريح بأن القنصليات لن تغلق. هذا في الواقع، لن يخفف الكثير من مستوى التوتر بين البلدين. الأمر يتعلق أكثر بسياسة الباب الموارب.

الناس/عن “دويتشه فيله”

إيزابيل فيرينفيلز، رئيسة قسم شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين.

 

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.