نيويورك تايمز: ديكتاتور مصر يتحول إلى بطل دراما ويكتب التاريخ بطريقته الخاصة

0

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لمديرة مكتبها في القاهرة فيفيان يي حول أكبر إنتاج درامي في الموسم الرمضاني هذا العام بمصر والذي انتهى يوم الأحد.
وقالت إن مسلسل “الاختيار 3 ” تحول فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بطل، ويقول إنه يحكي قصة صعوده إلى السلطة في وقت يتهم النقاد منتجيه بإعادة كتابة التاريخ في وقت باتت فيه صناعة الدراما المصرية تحت سيطرة السيسي.
وقالت إن رمضان يعتبر الموسم التقليدي للمسلسلات الرمضانية التي تحفل بالنجوم وتشد ملايين المصريين لها كل ليلة أثناء الشهر المقدس، من دراما مشحونة إلى مسلسلات كوميدية. ولكن مسلسلا واحدا مشحونا كان الأبرز، وفق ما نقلت صحيفة “القدس العربي” اللندنية.

وأنتجت الحكومة سلسلة تزعم أنها تقول الحقيقة حول 2013 وصعود الديكتاتور عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، وبعد فترة من الانقسامات والعنف في البلاد. إلا أن الحلقة 25 من مسلسل “الاختيار 3” هي التي عرضت الثلاثاء الماضي وصورت عملية إحباط عملية تهريب سلاح هي التي أثارت الجدل الأكبر.

وفي ليلة العرض كسر الرئيس الحقيقي الجدار الرابع وأكد للمصريين أن كل كلمة في هذا المسلسل صحيحة. وقال إن الكثيرين ربما تساءلوا عن هدف صناعة هذا المسلسل، مجيبا أن الهدف هو التوثيق بطريقة صادقة وشريفة في وقت لم يعد فيه شرف ولا حقيقة. ولكن النقاد يقولون إنه وبعيدا عن تصوير الحقيقة الصادقة، فالهدف هو إعادة كتابة التاريخ والتملق للرئيس وشيطنة نقاده.

وتُعلق “يي” أن السيسي حول مصر على مدار العقد الماضي من بلد يتسامح مع النقاش السياسي والحرية الفنية، حتى في ظل حكم الرجل القوي، إلى بلد يجبره الخوف على السكوت. وقالت إن الحكومة خنقت نقادها عبر سجن المعارضين لها كبارا وصغارا وتجريم الاحتجاج وتكميم الصحافة.

وعملت الحكومة بطريقة منظمة على إخضاع صناعة الفيلم والتلفزيون التي هيمنت على شاشات أجيال من شعوب المنطقة العربية، ويقوم إنتاجها الآن بفرض الرقابة على الموضوعات الحيوية أو الحساسة سياسيا. وتقول الكاتبة إن الحكومة لم تذهب إلى هذا المدى. ومع أن “الاختيار 3” أنتجته عدة أسماء كبيرة في صناعة الترفيه إلا أنه يشمل على وزارة الدفاع كطرف تعاون فيه. وقال بلال فضل، كاتب النصوص المصري والناقد للعرض إن “العدو الحقيقي للدولة المصرية هو خارج قدرة أي شخص يقف ضدها”، مضيفا “في الحرب يجب أن تستخدم كل سلاح لديك والآن أصبحت الدراما سلاحا لديهم”.

وركز الموسم الأول للاختيار على القوات المسلحة وهي تحارب الجهاديين، والثانية على مكافحة الإرهاب وركز الثالث على الظروف التي رافقت صعود السيسي إلى السلطة وتم عرضه في مصر وليس عموم الشرق الأوسط. ويجمع ما بين الخيال وما يقوله إنه حقيقة، وعرض في كل حلقة، لقطات لم تعرض في السابق لشخصيات تاريخية، وعلى ما يبدو تسجيلات قامت بها المخابرات المصرية سرا. وإذا كان البطل في المسلسل الأخير هو السيسي فالشرير هم جماعة الإخوان المسلمين الذين فازوا في أول عملية انتخابات حرة عام 2012 وبعد الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك عام 2011.

إلا أن فترة محمد مرسي كانت مضطربة وأدت لانقسامات. ودعا ملايين المصريين للإطاحة به، وقاد السيسي الذي كان وزيرا للدفاع في حينه حركة ضده وذبح حوالي ألف شخص في يوم واحد، مجزرة رابعة في أغسطس 2013. وفي الأيام الأولى من حكم السيسي تمتع مديري البرامج والإنتاج بنفس المرونة التي تمتعوا بها منذ جمال عبد الناصر في ستينات القرن الماضي، طالما تجنبوا موضوعات يعتبرها النظام حساسة مثل رابعة. إلا أن الوضع تغير في عام 2017 عندما احتكرت شركة مملوكة من أجهزة الأمن الأثير على قنوات التلفزة وشركات الإنتاج التلفزيوني، والمؤسسات الإخبارية وأخرجت الكثير من شركات الإنتاج من الصناعة. وتم إرسال الحلقات التي تعود إلى برامج أخرى إلى المسؤولين الأمنيين لمراجعتها، حسب العاملين في داخل الصناعة. ولم يعد رجال الشرطة المنتهكين والفاسدين يظهرون في النصوص التلفزيونية والسينمائية، واستبدلوا برجال عسكريين وجواسيس أبطال. وتم تشويه سمعة الفنانين الذين لم يلتزموا بالخط الرسمي واتهموا بأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين أو متعاطفين معها أو منعوا من العمل في داخل مصر. ونظرا لسيطرة الدولة الكاملة على الإعلام، فقد أصبح بإمكانها السيطرة على المنتجين والفنانين والكتاب وكل مرحلة من مراحل الإنتاج الدرامي. وإنتاج القصة التي يريدونها وبأنفسهم، حسب جوي شيا، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط والمختصة بمصر.

وغادر فضل كاتب السيناريو القاهرة إلى نيويورك في عام 2014 وبعدما وضع على القائمة السوداء نظرا لأن عرضه كان محلا لانتهاكات قوات الأمن. ويدير عرضا على “يوتيوب” حول صناعة الترفيه في مصر. ويقول فضل وعدد من مدراء الإنتاج الناقدين إن الرقابة على النصوص التلفزيونية شددت ووصلت إلى حد رسم خطوط القصة وملامح الموضوع التي يريدونها. وبهذه الطريقة ولد مسلسل “الاختيار”. وهذا بالضبط كان أسلوب إنتاج مسلسل “الاختيار”.

وقام الموسم الأول على الخلط الذكي بين الحقائق والخيال، وكان أسلوبه واضحا منذ البداية. ففي الحلقة الأخيرة من الموسم الأول، التي عرضت في شهر رمضان قبل سنتين، تم بث مقطع فيديو لأحد الشخصيات الرئيسية أثناء اقتياده نحو الإعدام في 2020. وقد وجهت له تهم متعلقة بالتورط في سلسلة عمليات إرهابية.

وفي الموسم الأخير أرفق تنويه في البداية وضعه المنتجون في: “هذا المسلسل يستند إلى أحداث حقيقية، مع تغيير بعض الأسماء والأماكن. وهو يروي جزءا من تاريخ مصر شاهدناه بأعيننا أو رواه لنا آخرون عايشوا الأحداث”.

ويغطي الموسم الحالي آخر 96 ساعة لمحمد مرسي في الحكم، يظهر هذا الرئيس السابق مع شخصيات إخوانية أخرى، في صورة المتآمرين المخادعين، ودائما ما ترافق حركاتهم موسيقى تنذر بالكآبة. أما السيسي فقد تم تصويره كرجل عائلة متواضع يتصرف بحكمة وهدوء تحت الضغط. ويرى المشاهدون أن الممثل الذي يؤدي هذا الدور، وهو ياسر جلال، نجح بتقليد أسلوبه وحتى صوته الرقيق.

وحرص هذا المسلسل على التأكيد على تدين السيسي، وعلى أن تدينه هو عكس مرسي الذي يستخدمه لتحريك قراراته السياسية. وفي إحدى الحلقات تقول شخصية السيسي لشخصية مرسي، في سياق رفض دعوة منه للانضمام لجماعة “الإخوان”: “سواء كان الشخص رئيسا أو قائدا للجيش أو في أي منصب آخر، يجب أن يكون القائد وطنيا ولا شيء آخر”.

وتقول الصحيفة إن المصريين ينتظرون كل عام شهر رمضان للجلوس أمام التلفزيون ومشاهدة الحلقات الجديدة من المسلسلات الرائجة. وتعلق شيا: “هذه المسلسلات أداة قوية جدا، وهي دراما تلفزيونية تشد المشاهدين”. يذكر أن مسلسل الاختيار حظي بمتابعة واسعة، وقد جذب العديد من المعجبين بفضل الحبكة الدرامية ومقاطع الفيديو التاريخية المسربة. إلا أنه في نفس الوقت تعرض لموجة سخرية واسعة النطاق على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث سخر المستخدمون من هيمنة الدعاية والدعاية الحكومية فيه.

وبالنسبة للمشاهدين الذين عايشوا ذلك التاريخ قبل أقل من 10 سنوات، فإن نهاية هذا الموسم من “الاختيار” ليست غامضة. حيث أن مرسي تم إيداعه السجن وتوفي في قاعة محكمة في القاهرة في 2019. وظل “الإخوان المسلمون” العدو رقم واحد لحكومة السيسي، رغم وجود بعض المعارضين السياسيين الآخرين الذين يتم اتهامهم بشكل روتيني بالارتباط بالإخوان. وأي شخص توجه له هذه التهمة يكون معرضا للطرد والتهميش أو الاعتقال ومواجهة تهم الإرهاب. وهذا ما تعرض له عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في الإخوان، والمرشح الرئاسي الذي تم اعتقاله في 2018 وإدانته في مارس/ آذار الماضي، بتهمة إقامة لقاءات سرية مع هذه الجماعة. في نفس اليوم الذي تحدث فيه السيسي حول المسلسل، كان خالد علي المحامي والحقوقي الذي ينوب عن عبد المنعم أبو الفتوح، قد قرر استعمال نفس سلاح الرئيس. فقد أعلن أنه تقدم بطلب لإعادة المحاكمة، بناء على أدلة جديدة قال إنها تثبت أن موكله قطع علاقته مع الإخوان المسلمين قبل وقت طويل من الأحداث التي حوكم من أجلها. أما الأدلة فلم تكن إلا 4 مقاطع فيديو مسجلة بشكل سري، تم عرضها لأول مرة في مسلسل الاختيار.

الناس/عن “القدس العربي”

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.