أحلام إنتخابية وأشياء أخرى..خربوا الأصنام أو اعبدوها الى الأبد
عبد النبي إدسالم
بدأ العد العكسي للإنتخابات الجماعية بالمغرب، وهي أول انتخابات تأتي بعد دستور 2011 الذي جأ بعد حراك حركة 20 فبراير، وبدأ معها الترحال السياسي كما ولفناه دائما حتى أضحى من مسلمات السياسة بالمغرب، خاصة من قبل ذوي المصالح الإقتصادية، أولئك الذين تتبعثر لديهم الأوراق بمجرد ما يحسون أن أماكنهم داخل البوتيك السياسي الذي يحتمون ولا يؤمنون به، مهددة بهزات زلازل السياسوية والظرفيات الإقتصادية التي قد تعصف به في أي وقت وحين، نفس الشيئ بالنسبة للمرضى النفسانيين بهوس الكراسي الذين يشترون “تيترات” هاته المقاعد في مزاد ليلي غير علني، ولو كان بوسعهم جعل “تيثر” مقر الجماعة أو البلدية بإسمهم لفعلوا ذلك، ولما لا تسمية الجماعة بإسمهم، ولا أدري كيف غفل المشرع المغربي هاته النقطة بعدم شرعن للأميين رئاسة المجالس بشتى أنواعها.
انتعشت أسواق الجمال والخرفان وغيرهم من الحيونات التي تشتهيها الكروش الكبيرة، وبدأت الدبائح والولائم تبركا بهذا الموعد الذي يعتبر عند البعض كيوم الحساب، ينفق عليه ملايين السنتيمات، يستحيل أن ينفق ولو تلثها في حفر بئر أو إصلاح قنطرة صغيرة على وادي الطريق المؤية الى بيته وبيت أجداده المحادية لسفح الجبل، ذالك الجبل الشهم الذي ولد وكبر بين وديانه وفجاجه وتنكر له. لا يعود اليه إلا يوم يجعل من الام الصامدين في جنباته ورقة انتخابية يطمع بالظفر بها بشتى الوسائل لاعبا على وثر الفقر والجهل وأحيانا بالتزواك وتقبيل الرؤوس … إنها أمراض المجتمع المغربي التي تستدعي علاجا إكلينيكيا من قبل عباقرة التحليل النفسي من ثلاميذة سيكموند فرويد أو التشريح من قبل علماء الفيزياء النووية ومن يدري قد نعثر في دماغ هاته الكائنات السياسية نوعا من أنواع الأورانيوم بدل أن نبحث عنه في المعادن ومواد اخرى ويحالفنا الحظ في اللحاق بركب الدول النووية.
مناسبة هذا الكلام هو بينما كنت متجها الى مدينة الفناء جنوب المغرب، توقفت بإحدى الجماعات القروية للإستراحة، وبينما أحتسي كوبا من الشاي رفقة زميلي، كان هناك بجانبنا مجموعة من الشباب الذين يتحدثون بنبرة حادة حول موعد الإنتخابات الجماعية المقبلة، ومن خلال ما سمعته تبين لي أن لهم مستوى تعليمي محترم، ويبدوا من خلال نقاشهم و أسئلتهم و تفاعلهم ببعضهم أنهم حاصلين على تكوين جيد، وكان موضوع حديثهم الأساسي الذي اسمتعت وتعلقت به قرابة الساعة، هو كيف لهم بوضع حد لبعض الشخصيات التي أتعبتهم في تذبير شأنهم المحلي لعقود من الزمن دون جدوى ودون أن تصح ضمائرها من غفوتها، يعذبون أنفسهم وساكنة قراهم بأميتهم الهيجاء، يتحدثون عن الرئيس الفلاح الذي يملك الهكتارات ويسير الجماعة بمنطق المزرعة والإسطبل، و عن نائبه الأول صاحب تقاعد باحدى دول المهجر الذي لا يهمه سوى تلك الكاريزما الكارطونية الموروثة عن “سافريان” نهاية السبعينات الى منتصف الثمانينات أما الان فقد فقدت بريقها لمعانها الذي تفوح منه رائحة موغا النخاس، واخرون من نفس المجلس الذي لم أتذكر سوى أن لكل واحد منهم حكايته الأسطورية في تصوره الغبي للتسيير الجماعي، بينما يكون قاسمهم المشترك انتماؤهم الى مستويات عليا من عدم إثقان الكتابة والقراءة.
نقاش هؤلاء الشباب حمل العديد من الأفكاروالرهانات لتشكيل نخب محلية جديدة داخل النسق السياسي المحلي، بناءا على استراتيجيات بمثابة خريطة طريقهم للإنعتاق من عبودية الأمية الفتاكة، وخلق ديمقراطية حلية كبديل سياسي للخروج ما حالة الأزمة التي يعيشها الفعل السياسي بصفة عامة وما يحكيه هؤلاء الشباب إلا بعض من تجلياته الواضحة للعيان. وخلصوا الى فكرة اساسية سيجعلوها يوم الموعد الإنتخابي بمثابة سلاحهم الثقيل نعم الثقيل لأن الخفيف لن يقف في وجه هاته الكائنات، سلاح قد ينجح وقد لا يفي بالغرض في مواجهة غول إسمه الجهل والأمية وسلطة المال. سلاح قوامه ما حملوه مما تيسر من معرفة خلال مساراهم المتواضع الدراسي و المهني والجمعوي والسياسي وتراكمهم الثقافي وما كسبوه من تجربة احتكاكهم بنخب محلية ووطنية سلاح يرفعونه في وجه أسرهم، عائلاتهم، أقاربهم، جيرانهم، أصدقائهم، كل من لهم به علاقة مشتركة برقعة ترابية إسمها جماعة الجماعة، وإقناعهم أنه حان الموعد الذي لن يعودوا اليه بهذا الحماس القوي من أجل تغيير جدري محلي يكونوا هم عماده وركائزه بتنسيق و تعاون مع الجميع دون إقصاء.
انتهت جلسة الشباب وانصرف كل في حال سبيله، وانصرفت أنا أيضا حاملا هما جديدا ينضاف الى همومي التي لا تعد ولا تحصى، وأتساءل مع نفسي ماذا لو اتفق أبناء بلدتي، كما اتفق هؤلاء الغيورين، واستجمعوا قواهم وفهموا اللعبة جيدا ولو لأول واخر مرة، فإن توفقوا فقد خربوا الأصنام ولهم ببداية كتابة كتابهم من جديد، وإن لم يكن لهم ذلك فليتركوا بلداتهم و قراهم تصنع من الأميين أصنام وتماثيل وأوثان تعبدها الى الأبد.