بنكيران والداودي والوردي والوزرة البيضاء

0

نورالدين اليزيد

وأنا أتابع كغيري من أبناء هذا الوطن (الفريد والغريب في كل مناحي حياته)، مُقاطعة طلبة كليات الطب للدراسة ومطالبتهم بتحسين أوضاع تكوينهم وبالتشطيب أو إعادة النظر في مشروع القانون الجديد المتعلق بالخدمة الطبية الإجبارية الذي من بين مقتضياته العمل بالمناطق النائية وغيرها، وهو ما يعتبرونه ضربا لمزايا أو مكاسب ينبغي الحفاظ عليها والذود عنها بل المطالبة بأخرى، أتذكر (عبر ما يشبه الفلاش باك) جيوش طلبة الآداب والحقوق وباقي المنتسبين لجامعات العلوم الإنسانية والاجتماعية، الذين بقوا ولازالوا يتفرجون على المكاسب والحقوق وهي تُسلب منهم سلبا حتى باتت الجامعات وشوارع العاصمة تضيق بهم ذرعا، وحتى أصبح وزير التعليم العالي الحسن الداودي يعيرهم بعديمي الفائدة والعبء أو العالة على المجتمع ويسْخر من شواهدهم التي حصلوا عليها بعد سنوات من الكد والاجتهاد.

ويبدو أن حكومة السيد عبد الإله بنكيران الذي بشرّ هو وحزبه الشعب المغربي، قبل مجيئه إلى الحكم، بأنهم سيركزون عملهم على محاربة الفساد والرفع من مستوى العيش لدى غالبية المغاربة، تحت يافطة براقة وخداعة اسمها “الجانب الاجتماعي”، ماضيةٌ في تشديد الخناق على التوظيف في مختلف القطاعات العمومية، وإن كانت الطرق تختلف باختلاف القطاع ومدى حيويته وحاجة المجتمع والوطن إليه؛ وبعد خريجي كليات الآداب أو العلوم الإنسانية عموما الذين كانت جل آمالهم منصبة على مراكز التكوين، فتبخرت تلك الآمال بعد إقدام  هذه “الحكومة الاجتماعية” على تحويل مراكز التربية والتكوين إلى مجرد مراكز للتكوين تمنح خريجيها شواهد فقط ولا تضمن لهم التوظيف مباشرة كما كانت في السابق. ثم بعد هؤلاء نجد خريجي كليات الحقوق الذين أغلقوا عليهم منذ زمن باب الرزق (الرزق على الله أولا وأخيرا طبعا) بعديد من القوانين منها القانون المشؤوم الذي بات يفرض مباراة لولوج مهنة المحاماة منذ سنة 1994، وبعده جاء إغلاق مهنة الموثقين ومهنة العدول وحتى مهنة الأعوان القضائيين، التي أصبحت كلها مِهن لا يتم ولوجها إلا بولوج مباراة لا يمر منها إلا ذو حظ عظيم !! جاء اليوم دور مهنة مرتدي الوِزرة البيضاء الذين شعروا أن مستقبلهم مهدد ومن حقهم بكل تأكيد الدفاع عن هذا المستقبل والعمل على ضمانه.     
ما يقوم به الأطباء الطلبة حاليا يُظهر بالإضافة إلى نية الحكومة المبيتة في التقليص من التوظيف في القطاع، يبرز كذلك إلى أي مدى تستطيع بعض القطاعات أن تكون بها لوبيات تحافظ على مصالحها، تماما كما فعلت هيئات المحامين حين أعدت في ظلام حالك قانون93 المشؤوم الذي أغلق باب ممارسة المحاماة على خريجي كليات الحقوق، وأصبح لازما المرور عبر مباراة لا يعبُرها إلا قليلون، وكما فعل الموثقون والعدول والأعوان القضائيون، فكان مصير غالبية خريجي الحقوق شارع محمد الخامس بالرباط للاحتجاج، أو الانزواء في مكان نائي ليموتوا موتا بطيئا.

طلبة الطب اليوم هم واعون بأن هناك أيادي خفية تحرك القانون وتريد سد الطريق أو إزالة المصعد عن الآخرين بعدما صعدت هي وفي أضعف الحالات تأخير حصولهم على وظيفة وذلك بتمديد العمل بالخدمة الصحية، بعكس زملائهم الآخرين من طلبة الحقوق والآداب الذين يبدو أن حلقيات “الخوانجية” و”الرفاقجية” كانت بمثابة الطعم الذي ألهاهم عن الدفاع عن مصالحهم الحقيقية، وهي الوقوف ضد أي تغييرات أو تعديلات في القوانين التي أغلقت كل أبواب ولوج المهن القانونية في وجوههم تحت مبررات مضللة من قبيل تنظيم المهنة والرفع من مستوى المؤهلين لولوجها؛ ولعمري هذا ما تفعله الحكومة حاليا مع طلبة الطب وإن كان السيناريو مختلفا بعض الشيء ويلبسونه ثوب ولبوس المصلحة العامة لاسيما وأن القطاع يعتبر من القطاعات الاستراتيجية والحيوية التي تمس كل مكونات المجتمع !

واهمٌ من يصدق الشعارات التي ترفعها الحكومة وهي تحارب اليوم نضالات طلبة كليات الطب وتقتحم عليهم الجامعات بالبوليس، من كون إلزامية الخدمة الاجبارية بالمناطق القروية والنائية والمساهمة في تقريب العلاج والخدمات الصحية من المواطن، هي دوافعها الأساسية لتنزيل مشروع القانون الجديد، وهذا ما لا يرفضه هؤلاء الطلبة المحتجون بل يؤكدون أن العمل كان جاريا به حتى قبل وجود هذا القانون وحتى قبل أن ينهي الطلبة دراساتهم، لكن المشكلة بالنسبة إليهم هي تلك المتعلقة بظروف الاشتغال في تلك المناطق وغياب المحفزات لتشجيع العمل بها؛

ولأن الحكومة تخوض حربا شرسة ضد أبناء هذا الشعب الراغبين في التوظيف وهو ما بدا واضحا من خلال العديد من القرارات في هذا الشأن، فإنها حاولت –وقد نجحت إلى حد كبير- أن توهم الناس بأن “حربها” مع طلبة الطب يتمحور حول رفض هؤلاء الخدمة الصحية الاجبارية، وإنه لعمري حقٌّ يراد به باطل، بحيث بالرغم من كل الاجتماعات التي أجرتها الحكومة مع المحتجين لم يصدر في بياناتها الفضفاضة التطرق إلى صلب الموضوع وهو الزيادة في المناصب المالية المخصصة لتوظيف أطباء جدد، وبدل ذلك تعيد تصريحات المسؤولين الحكوميين نفس الأسطوانة التي تبكي وتندب حرمان مواطني المناطق النائية من الخدمات الصحية بسبب رفض طلبة الطب الخدمة الاجبارية محملة “المسؤولية” لهؤلاء.

شرعنة وتقنين إضافة سنوات جديدة إضافية للخدمة الاجبارية لطلبة الطب يشبه تماما ما ستقدم عليه وزارة الحسن الداودي في مستقبل الأيام، حيث رفعت من عدد سنوات إعداد رسالة الدكتوراه، بالإضافة إلى العمل على “تجنيد” الباحثين في سلك الدكتوراه ليقوموا بدور أساتذة مساعدين بمقابل هزيل رأى فيه السيد الداودي أنه هو إعانة مادية لهؤلاء الباحثين بالدرجة الأولى؛ ولكن حقيقة مثل هذه القرارات هي الاكتفاء بهؤلاء الباحثين كأعضاء هيئة التدريس والتقليص ما أمكن من توظيف مزيد من الأساتذة في سلك التعليم العالي؛ وبعد كل هذا يأتي السيد الداودي ليقول في تصريحات إن خريجي كليات الحقوق يكون مآلهم هو الشارع والبطالة !

السيد الحسين الوردي وزير الصحة الذي صفق له الجميع في وقت سابق لاتخاذه قرارات مهمة وغير مسبوقة في مجاله، يتخندق اليوم للأسف بل ويتم تسخيره أولا من قبل لوبي يدفع في اتجاه تسييج مهنة ممارسة الطب، وثانيا من طرف الحزب “الحاكم” وأمينه العام ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران الذي بقراره هذا الجديد الذي يهم أصحاب البزات البيضاء يكون قد أكد أنه تلميذ نجيب يُطبق على أحسن وجه مقررات المؤسسات النقدية الدولية المانحة التي تريد التقليل من الوظيفة العمومية في أفق إغلاق باب التوظيف نهائيا، وأنه الرجل/السياسي المناسب في الوقت المناسب للمكان المناسب لسد ثقوب الخزينة العامة حتى ولو كان ذلك على حساب عيش المغاربة بالرفع من الأسعار وسد باب التوظيف في وجه أبنائهم.

[email protected]

https://www.facebook.com/nourelyazid

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.