أسرارٌ تُكشف لأول مرة عن كواليس خياطة ألبسة الراحل الحسن الثاني ونساء القصر

0

ورث الحسن الثاني عن والده محمد الخامس خياطه حاييم بوطبول الذي كان يعاني من قصور كلوي مزمن، تدهورت على إثره حالته الصحية، الشيء الذي سيؤدي إلى صعود نجم ابنه رفاييل.

لم يكن دور رفاييل بوطبول يقتصر فقط على خياطة الملابس التقليدية، وإنما كان يتعداه إلى تأثيث الصالونات والشقق الخاصة للملك..

عُرف عن الحسن الثاني هوسه بالتفاصيل الدقيقة، وقد عرف روجي كيف يستبق طلبيات الحسن الثاني، هكذا كان يقتني الأشياء التي يكون قد لاحظ إعجاب الحسن الثاني بها في إحدى الزيارات الملكية إلى دول خارج المملكة المغربية.
وحينما كان رفاييل يتنقل إلى باريس، كان يحرص على زيارة قصر «دولادكوفريت»  لاكتشاف بعض النوادر وبحثا عن الأشياء الجديدة التي تتلاءم وميولات الحسن الثاني الجمالية والتزيينية.
ظل الملك يظهر سخاءه، ولا يكترث البتة إلى المصاريف، خصوصا حينما يجتمع في  خياطه عنصران أساسيان: الولاء والفعالية.
كان من عادة والده محمد الخامس أن يثير انتباه مُموني البلاط بالثمن الحقيقي للأشياء، لكن حاييم بطبول ظل يجيب الملك: «كل شيء في ملك جلالة الملك»، ما معناه أن أتعابه منطقية ومعقولة بالقياس إلى طبيعة القماش والمواد الأساسية، وقد كان بإمكان الملك أن يحدد أتعابه على هواه، لكن لم يسبق للملك أن تدخل في ذلك.
نقل رفاييل خياط الحسن الثاني في تاريخ 26 مارس 1966على الساعة الحادي  عشرة على وجه السرعة إلى المركز الاستشفائي ابن سينا. الحسن الثاني الذي كان على علم مسبق بالحالة الصحية لرافييل، قال لزوجته باللغة الدارجة بأن إصابة مخه خطيرة، وأنه إذا بقي في المغرب سيموت، وفرصته الوحيدة والضعيفة للنجاة أن ينتقل على وجه السرعة للاستشفاء في فرنسا، مؤكدا لها بأنه سيضع كل الإمكانيات رهن إشارة عائلته لعلاجه، لكن كما قال لهم بالحرف: «أنتم، وأنتم فقط عليكم أن تتخذوا القرار» قبل أن يبتعد ببضعة أمتار ليترك للمعنيين بالأمر فرصة اتخاذ القرار المناسب..بعد دقائق التمسوا من الملك أن يعطي تعليماته لنقل خياط خدم الحسن الثاني من فبراير 61 إلى مارس 66 أي لمدة 5 سنوات إلى فرنسا..
بعد سنة، فارق رفاييل بطبول الحياة، الحسن الثاني قال يومها لعائلة رفاييل: «أنتم فقدتم ابنكم،  أما أنا فقد فقدت أخا».
لم تمض إلا سنة على الحداد على رفاييل، حتى استدعى الحسن الثاني بتاريخ 8 أبريل 1966 روجي  ابن رفاييل الذي لم يكن سنه يربو حينئذ عن 19 سنة إلى القصر، رافقه يومها جده حاييم، الذي سمع الحسن الثاني وهو يخاطب صغير رفاييل بالحرف: «مكانك هنا، (في إشارة إلى القصر) لكن، يمكنك أن تفعل ما تريده».


بسرعة سيتعلم روجي من جده حاييم المريض الفصالة، وكيف يقتني  الثوب ومستلزمات أخرى لتحضير الملابس التقليدية.. هذا في الوقت الذي ساعده عماه مسعود وهنري على الانطلاقة..
ولما استحال على روجي التوفيق بين دراسته الجامعية وعمله الجديد في القصر مع الحسن الثاني،  بالنظر إلى المهام الكبيرة والمعقدة التي كانت مطلوبة منه، بالعودة إلى أجندة الحسن الثاني الحبلى بمناسبات الاحتفالات، قرر التفرغ للألبسة التقليدية التي يطلبها الحسن الثاني بمناسبة عيد العرش، عيد الشباب، عيد الفطر، عيد الأضحى، عاشوراء، أعياد ميلاد الأمراء والأميرات، خصوصا عيد ميلاد ولي العهد، أعياد السنة الميلادية، ولادات أبناء الملك، للا مريم، للا حسناء، للا أسماء، مولاي رشيد، على اعتبار أن ولي العهد كان حينها قد ولد حينما تسلم روجي مهامه كخياط بالبلاط.
روجي كان خياط القصر، ومتخصصا في خياطة الملابس الداخلية للحسن الثاني، أما الملابس التقليدية التي كان يرتديها الحسن الثاني فقد كانت من اختصاص صالح.
لكن، مهمته لم تكن تقتصر على الملابس التقليدية التي يحتاجها القصر، فحسب،  بحيث كان مكلفا بالسهر على أثاث الإقامات الملكية، بدءا من الستائر، الأرائك، البوفات..التي كانت تشترى من الخارج أو من الصناع التقليديين بفاس.


كلف روجي أيضا بصناعة لباس المخازنية في القصر، من القفطان، إلى الفراجية البيضاء، التشامير، والبدعية، دون الجلابة، كما تفنن في المظلة التي كان يحلو للحسن الثاني أن يتجول بها، وقد كان عبد الرحمان ساسون الذي تجمعه علاقة عائلية مع بطبول وراء تصميمها على عهد السلطان الحسن الأول. وقد جرت العادة أن يعثر على الأثواب التي تستورد من الخارج الكاتب الخاص للملك، قبل أن تنقل إلى المعمل الذي كان يمتلكه روجي وعماه بملاح الرباط، وهو المعمل الذي كان يعمل فيه مابين 15 و20 من العمال القارين، هذا في الوقت الذي كان روجي يسرع في جلب عمال مؤقتين، كلما كان ثمة مناسبة يستعد للاحتفاء بها الحسن الثاني، وتستلزم سرعة في الإنجاز، بالقياس إلى تاريخ الاستلام والمهلة التي تكون لدى روجي لتحضير الطلبيات.
يجلب العمال المؤقتين إلى الرباط بمساعدة عنصرين تابعين لـ «المخازنية» العاملين بالقصر، وقد  يصل عدد العمال الإضافيين الذين يشتغلون في ورشة القصر في المناسبات المحتفى بها، إلى مائة عامل..

ما يربو عن 300 خياط حضروا عشرات القفاطين لعقيقة للا حسناء..

عند ولادة الأميرة للا حسناء كان خياط الحسن الثاني يصارع الزمن، تطلب تحضير الألبسة التقليدية، جلب 300 عامل مؤقت إضافي إلى جانب العمال الأصليين، إذ كان عليهم أن يخيطوا عشرة قفاطين لكل امرأة بالقصر، كما أمر بذلك الملك الراحل، ولأن موعد توزيع القفاطين كان قد حدد في اليوم السابع بعد ولادة الأميرة، فقد نقل العمال في حافلات إلى نقط التجمع على وجه السرعة، وكانوا يغادرون الورشة بقصر الرباط إلى فنادق حجزت بالرباط على نفقة القصر، ويتناولون وجباتهم في مكان العمل على حساب القصر أيضا، ويتقاضون ضعف أجرهم العادي.  


كان الحسن الثاني يوزع الألبسة التقليدية المعدة شخصيا بإحدى إقاماته الملكية، وعادة ما تكون أفراد عائلته المباشرة آخر من يتسلم قفاطينها المعدة على مقاسهم.. ففي جو مرح، يوزع الحسن الثاني علبا تضم عددا من القفاطين المتشابهة التي قد يصل عددها عشرة، نفس المقاس والشكل، اللهم اختلاف الألوان والثوب. يتم التوزيع حسب التراتبية بين المستفيدات، وقد جرت العادة أن تحدد هذا الترتيب امرأة في الخمسينات من العمر، تعرف من تكون هذه ومن تكون تلك، باختصار، امرأة تعتبر بمثابة ذاكرة القصر، تدخل كل امرأة من نساء القصر إلى القاعة التي اختارها الحسن الثاني لتوزيع القفاطين، كل مستفيدة تعبر في أجواء برتكولية عن شكرها وامتنانها بلسان الخادم الذي يسلم العلبة بعد إذن الحسن الثاني إلى المستفيدة، وقلما يرد الحسن الثاني بتفكه نادر على بعض الملاحظات التي تقدمها المستفيدات، حول لون القفطان أو الثوب، على أساس أن ملاحظاتهن تؤخد بعين الاعتبار في التوزيع المقبل الذي يتزامن مع مناسبة أخرى..
يدوم التوزيع من ساعة ونصف إلى ساعتين، وإذا حدث أن نادى المؤذن لأداء إحدى الصلوات،  يتوقف الحسن الثاني للصلاة في نفس المكان، قبل أن يستأنف عملية التوزيع، وعند نهاية العملية جرت العادة أن يطلب روجي من الملك “الحلاوة” التي تعتبر في التقاليد المخزنية خارج فاتورة الطلبيات..

جرت العادة أن يختار الحسن الثاني عينات الأقمشة فـي قاعـة العرش

منذ بداياته كان الحسن الثاني يطلب من خياطه الشاب طلبيات خاصة. ظل يحرص على مده بالتفاصيل الدقيقة للموديل الذي يكون قد رسمه في ذهنه، وبناء عليه كان الخياط يتنقل من دولة إلى أخرى، بحثا عن عينات من الثوب علها ترضي تطلعات الحسن الثاني، من ليون، إلى سانكال، إيطاليا..
وبعد عودته إلى المغرب، ظل روجي- بناء على رغبة الحسن الثاني- يضع عينات من الثوب التي  استجلبها أحيانا بقاعة العرش على طاولة تتخذ شكل صفيحة حوافر الحصان، وأحايين أخرى بالقاعة المرتبطة بقاعة العرش، في انتظار أن يحسم الحسن الثاني الاختيار، وقد يدوم الانتظار شهرا أو أكثر، قبل أن يتمكن روجي من مقابلة الملك، لأن الحسن الثاني -كما وضح ذلك ألبير ساسون-كان يصر على أن يتخذ القرار بنفسه.
وقد جرت العادة أن يتم الاختيار قبل ثلاثة أسابيع من الحدث الاحتفالي أو الذكرى التي يستعد الحسن الثاني لتخليدها، وهي الفترة الكافية للشروع في فصالة الثوب، مع احترام نماذج القفطان والفراجية التي يكون الحسن الثاني قد انتقاها بعناية، في نفس الآن الذي يكون فيه قد وضع لدى الصناع التقليديين طلبيات تحضير السفيفة وإعداد «العقادي»..

يشتغل الصناع التقليديون في مجموعات، لكن كلما تعلق الأمر بطلبيات ذات صلة بحدث معين،  إلا وتطلب الأمر جلب صناع مؤقتين.
وحدهم الشريفات، أم الملك الراحل الحسن الثاني أم سيدي عبلة،  للا بهية أم للا أمينة آخر عنقود المغفور له محمد الخامس التي ولدت في المنفى بمدغشقر، وولي العهد الأمير سيدي محمد، بالإضافة إلى الأميرات بنات الحسن الثاني، والأمير مولاي رشيد، (قلنا) وحدهم كانت الملابس التقليدية المعدة لهم تفصل على مقاسهم، أما ما تبقى من نساء القصر، فقد ظلت الفصالة والخياطة الموحدة العمود الفقري للقفطان المخزني الذي كان يمنحهن إياه الحسن الثاني.
هذا ما نقله ألبير ساسون عن عمته مسعودة ساسون التي كانت تجمعها علاقات صداقة عميقة مع النساء اللواتي كن يعشن إلى جانب الملك محمد الخامس، بما فيهن العديد منهن من اللواتي تبنين بعض الأطفال اليتامى من ضحايا الزلزال الذي ضرب أكادير في فبراير 1960.

دسائــس القصــور بيــن خياطــي المـــلك.!

لم يكن خياط الحسن الثاني بمأمن عن الغيرة، قبل سنة1971، وبعد سنوات من الخدمة، أخبر الحسن الثاني خياطه روجي حينما كان يعرض عليه عينات من القماش، بأن ثمة مجموعة موصى بها بإلحاح عبرت عن رغبتها في الحصول على مكانه، وقبل أن ينفي حديثه معه ذلك اليوم أمر الحسن الثاني خياطه وسليل أسرة عملت إلى جانب الأسرة العلوية من على عهد السلطان إدريس الأول، بأن يشرك هذه المجموعة التي لم يكشف صاحب الكتاب عن اسمها أو قربها من أي من اللوبيات التي كانت تساهم في صناعة القصر بالبلاط، في تنفيذ الطلبيات.
روجي امتثل بطبيعة الحال للتعليمات الملكية وأدخل منافسيه ورشتة بقصر الرباط، وأشركهم في عملية خياطة 48 قطعة.
كان الملك الحسن الثاني يتردد بين الفينة والأخرى  على ورشة الخياطة المتواجدة بقصر الرباط للاطمئنان على أشغال الصناع المرتبط عملهم بطلبيات ذات صلة بمناسبات قريبة إلى وجدان الحسن الثاني، لكنه تلك المرة لم يفعل ذلك من أجل مراقبة سير العمل الذي أسنده والحالة هاته إلى فريقين متنافسين، إلا بعد أن زار روجي الورشة يومين قبل تسليم الطلبيات، فإذا به يكتشف بأن الوافدين الجدد متأخرين عن تحضير المطلوب، في الوقت المحدد بمدة طويلة، الشيء الذي اضطره إلى إضافة مجموعة من العمال المؤقتين الذين اشتغلوا لمدة 48 ساعة بأيامها ولياليها من أجل الوفاء بالالتزامات التي حددها الحسن الثاني.
إنها الواقعة التي  يؤكد ألبير ساسون صاحب الكتاب أن وقعها كان إيجابيا على وضعية عائلة ساسون وبيطبول لدى الملك الذي كان يدرك أنه يمكنه أن يعتمد عليهم.

قد يحسم الحسن الثاني فـي القمـاش في الربـاط والسفيفة في فاس

ظل روجي يطلب لقاء مع الحسن الثاني في الوقت المناسب كي يحصل على تعليماته، ولكي يستبق المهام المطلوبة منه، الشيء الذي كان يتطلب الوقت، بسبب الالتزامات الرسمية للملك، هكذا كان يحدث أن يبدأ اللقاء في الرباط بين الحسن الثاني وخياطه ولا ينتهي إلا في فاس.


لكن هذا لا يمنع أن روجي ظل يحضر إلى القصر يوميا، من أجل تقبيل يد الحسن الثاني وحتى  يكون باستمرار رهن إشارة سيده الملك، وغالبا ما كان يتم ذلك في نهاية الصبيحة أو بداية الظهيرة إسوة بباقي خدام القصر..
وعلى هذا الأساس، كان روجي يلتقي الحسن الثاني يوميا ما عدا أيام السبت، عطلة شباط،  خصوصا وأن الحسن الثاني كان يحترم الدين اليهودي، وبالتالي يسمح لخياطه بالتغيب لممارسة شعائره وطقوسه الدينية.
روجي كان يعرف أين يتسمر للحسن الثاني المولع برياضة الكولف من أجل السلام عليه،  ويختار المكان المناسب للقاء به وهو عائد من رياضته المفضلة، مثلما كان يتسلل بسهولة إلى صالونات الإقامة الملكية، خصوصا في الأمسيات الخاصة التي يكون فيها الحسن الثاني مرتديا لباسه العادي، وعادة ما يتحدث خلالها باللغة العامية التي يفضل أن لا يمزجها المتحدثون من حوله باللغة الفرنسية، هو الذي كان يجيد اللغة الرسمية ويتقن لغة فولتير.
ولا غرابة، فقد اشترى روجي سيارة أمريكية من نوع «بونتياك»  دأب عناصر الشرطة بالقصر على التعرف عليها بسرعة، إلى حد أصبحت أسبقية مروره وتجوله بهذه السيارة أتوماتيكية في كل الإقامات الملكية وفي جميع الأمكنة..وهذه بعض من التسهيلات التي وضعها الحسن الثاني لكسر الحواجز أمام روجي ولتسهيل مهمة خياطيه عموما، التي سرد بعضها الكاتب، وفي مقدمتها وضع جواز سفر الخدمة تحت تصرف روجي وشريكيه وهما عماه مسعود وهنري، حتى يسهل عليهم التنقل خارج المملكة -دونما عراقيل- لجلب الأقمشة..

الناس-عن صفحة اليهود المغاربة (فيسبوك)

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.