البنك العالمي يفحم النظام الجزائري بعد رده الهستيري على تقرير يشخص الوضع الاقتصادي
في رده على تهجم الإعلام الجزائري، بما فيها الرسمي، على تقرير أخير على الوضع الاقتصادي في الجزائر، سارع البنك العالمي إلى اعتبار تقريره مبنيا على معطيات واقعية، نائيا بنفسه عن الرد عن ما وصفها أقلاما مجهولة.
وأصدر البنك الدولي، أول أمس الخميس 6 يناير 2022، بلاغا توضيحيا رد من خلاله على الهجوم الهستيري للسلطات ووسائل الإعلام الجزائرية، بما فيها وكالة الأنباء الرسمية، التي شككت في نزاهة وجدية تقريره الأخير لرصد الوضع الاقتصادي في الجزائر، مؤكدا أن التقرير مبني على معطيات واقعية وأعد بمنتهى الدقة من قبل فريق من الاختصاصيين الاقتصاديين المتابعين للمنطقة المغاربية.
وسجل البنك الدولي، استيائه من الموقف الجزائري عندما قال: “لاحظنا مع الأسف أن بعض المقالات اعتمدت لغة قد تكون خارجة عن أفكار مؤلفيها المجهولين، وهذه التعليقات غير مقبولة كما هي ولن يتم الرد عليها، لأننا لا نعتبر أنه يمكن استخدامها كحجة ولا تشكل عنصراً للنقاش”.
وأضافت المؤسسة النقدية الدولية أن “بعض هذه المقالات بها معلومات غير دقيقة من حيث الوقائع حول محتويات التقرير الذي تم إعداده بمنتهى الدقة، وكذلك عن مؤلفيه، وهم فريق من الاقتصاديين يعملون في المنطقة المغاربية”، مشيراً إلى أن التقرير الأخير الذي أصدره البنك، يدخل في إطار إصداراته المنتظمة لتقارير اقتصادية تخص الدول الأعضاء، بينها الجزائر التي يتم إصدار تقارير متابعة للوضع الاقتصادي في الجزائر مرتين في السنة.
وأكد البنك العالمي أن التقرير الأخير، الذي نشر في 22 من شهر دجنبر، “خضع لمراجعة شاملة قبل نشره، واستند حصرياً إلى البيانات المتاحة للجمهور، وعلى البيانات المقدمة من السلطات في البلدان الأعضاء، وهدفها هو تشجيع تبادل المعرفة والحوار حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد”، مشددا على أن الاستنتاجات التي خلص إليها التقرير تتوافق مع البيانات الرسمية المتاحة في تاريخ إغلاق بيانات تم تقديم معظمها في مذكرة التزامن الصادرة عن بنك الجزائر”.
يذكر أن البنك الدولي نشر، قبل أيام، تقريراً تضمّن توقعات سلبية لمستقبل الاقتصاد الجزائري، واعتبر أن الانتعاش في القطاع غير النفطي تعثر وظل غير مكتمل، وحذر من مخاطر التضخم وانتقد بطء حركة البنوك والسياسات المالية.
وأثار الرد الرسمي الجزائري تعاليق ساخرة لدى نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من الجزائريين وغير الجزائريين، بسبب تركه الرد على موضوع الانتقادات الموجهة من البنك الدولي إلى الجزائر وبحثه عن معارك جانبية من نوع “لماذا لا يتحدث التقرير الدولي عن الفقر في المغرب”.
وقال التقرير الحكومي الجزائري إن “البنك العالمي قد أشار إلى الفقر في الجزائر في الوقت الذي تغاضى فيه عن وضعية الهشاشة المأساوية، وحتى الخطرة والمدمرة السائدة في بلد مجاور من الجهة الغربية، وبذلك تكون المؤسسة قد فقدت كل ما تبقى لها من مصداقية”.
وفي محاولة لتدارك الأمر أوضح أيمن بن عبدالرحمن رئيس الوزراء الجزائري، في رده على سؤال حول تقرير البنك العالمي، أن الرد الإعلامي “مبالغ فيه”، مضيفا أنه “بالنسبة إلى السلبيات الموجودة في هذا التقرير سوف نرد بطريقتنا، وهناك آليات وإجراءات بهذا الخصوص”، وهو تلميح إلى أن الإعلام، ومَن هم من ورائه، ليس مخولا بالرد أو الحلول محل الهيئات الرسمية المخولة في البلاد.
وبدا أن رئيس الوزراء الجزائري الذي كان ضمن فريق التشاور والتنسيق مع خبراء البنك العالمي قد وقع في ورطة، بسبب انزلاق الإعلام المحلي الذي أخذ على عاتقه مهمة رد حاد بعبارات ومفردات تفتقد للمهنية والاحترافية، وكرّس حالة من الحساسية السياسية على مجال يهم الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي والمالي.
ولكن محاولة رئيس الوزراء الجزائري لتدارك هفوة الإعلام المحلي باءت بالفشل، بعد صدور رد لاحق للنظام الجزائري عبر تقرير طويل من وكالة الأنباء الرسمية، اتهم فيه إطارا تونسيا بالاسم هو فريد بلحاج الذي يشغل منصب نائب رئيس البنك العالمي بـ”التواطؤ” مع النظام المغربي، بل باتهامه بقربه من الأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي محمد السادس، وهو (النظام المغربي) الذي أوعز له بكتابة هذا التقرير الأسود ضد الجزائر، بحسب الوكالة الرسمية الجزائرية للأنباء.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية ذاتها، في تقرير مطول لها، فقد “أسالت الافتراءات التي تضمنها هذا التقرير الكثير من الحبر، إلا أن الدليل القاطع أتى به أصدقاء فرنسيون للجزائر، إذ يكون هذا التقرير قد أنجز بتوجيه من القصر الملكي المغربي”.
وكشف تخبط النظام الجزائري، في رده على مؤسسة نقدية عالمية مشهود لها بنزاهة تقاريرها، أن هناك جهات، متربطة في الغالب بالمؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات، هي الماسكة بالقرار الجزائري، والتي لا يقتصر تدخلها فقط على مستوى إعطاء الأوامر لوسائل الإعلام بالهجوم على هذه الجهة أو تلك، داخلية كانت أم خارجية، ولكن على جميع المستويات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، ما يظهر رئيس الوزراء والفريق الوزاري العامل معه في وضع من ينفّذ السياسات التي تطلب منه وليس من يضع السياسات، وفق بعض الأوساط الجزائرية المحايدة.
وبرأي هذه الأوساط فإن الحكومة هي مجرد واجهة لصراع شخصيات نافذة أخرى أغلبها من المؤسسة العسكرية، التي استعادت سيطرتها على القرار الرسمي، بعد تنصيب الرئيس عبدالمجيد تبون، بعد انتخابات يرفضها المواطنون الجزائريون، وخرجوا للتظاهر ضدها رافضين تولي تبون الحكم، ومتهمين المؤسسة العسكرية بالتدخل لتزوير الانتخابات والمجيء بهذا الرئيس لخدمة أجندتها في البقاء على رأس هرم النظام الحاكم في الجزائر منذ سنوات.
إلى ذلك يرى مراقبون للوضع الجزائري أن الهجوم الإعلامي غير المهني على مؤسسة البنك العالمي، أظهر النظام الجزائري في وضع ضعيف ومرتبك سياسيا وشعبيا، إذ بدل أن يدافع عن نفسه وخياراته الاقتصادية والمالية، فضل اللجوء إلى نظرية المؤامرة باتهام جهات معادية بالوقوف وراء التقرير وسعى لإدخال خلافاته مع المغرب في الموضوع، متناسيا أنه يتوجه إلى مؤسسة مالية دولية تنأى بنفسها عن الخلافات السياسية.
ويذكر مختصون في شؤون الهيئات المالية الدولية بأنه علاوة على التنسيق بينها وبين الحكومات المحلية في عملية إعداد تقاريرها الدورية، فإنها في الغالب تعلم المسؤولين في تلك الحكومات بالنسخ الأولية لتقاريرها، وهو ما يوحي بأن الحكومة الجزائرية كانت على علم بما تضمّنه تقرير البنك الدولي ولم تفاجأ به، ما يجعل الهجوم مفتعلا وهدفه إلقاء المسؤولية على الآخرين.
الناس/متابعة