التعاون بين الرباط وإثيوبيا لا يستهدف القاهرة!
نورالدين اليزيد
اللواء/الجنرال محمد عبدالواحد خبير أمني مُقرب من المؤسسة العسكرية المصرية، المتحكمة الفعلية في السلطة في مصر الشقيقة، والتي يُعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسي أحدَ “أبنائها البررة”، وهو يعلق على القناة الألمانية “دويتشه فيله(DW) (أنظر الفيديو المرفق) على التقارب المغربي الإثيوبي، على خلفية زيارة حديثة قام بها وفد عسكري إثيوبي إلى المغرب، فإنه يُعبر بكل اطمئنان عن عدم تخوف القاهرة من التحركات المغربية، في شرق القارة الإفريقية، بما في ذلك تعاون الرباط مع أديس أبابا، هذه الأخيرة التي تمر علاقاتها مع القاهرة بفترة حساسة على خلفية عديد من القضايا على رأسها قضية سد النهضة!
في الواقع فإن السيد اللواء عبدالواحد أعطى وصفا أو تشخيصا دقيقا للتقارب المغربي الإثيوبي الأخير، وهو على صواب، بل أكثر من ذلك فإنه نبه إلى أن من يسعى إلى الاصطياد في الماء العكر هو “دول أخرى” بالمنطقة كانت تحركاتها مشكوكا فيها، على مستوى العلاقات ما بين إثيوبيا ومصر !!
وحتى نرفع الحرج عن السيد اللواء المصري، فإننا نُذكّر الناس بأن الجزائر أعلن رئيسُها في صيف 2021، في سياق دعاية قصر المرادية بـ”العودة إلى الساحة الدولية”، عن مبادرة وساطة للأزمة بين السودان ومصر من جهة، وبين إثيوبيا من جهة ثانية؛ وقام رئيس دبلوماسية النظام الجزائري وقتها رمطان العمامرة بزيارات ولقاءات مع ساسة كل من الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا، ورحب الجميع بالمبادرة الجزائرية، إذا ما كانت تحمل جديدا من أجل إنهاء أزمة سد النهضة بين الدول الثلاث؛
مصر إذن تعلم علم اليقين، بناء على الرصيد التاريخي للعلاقات مع المغرب، نواياه في التحرك، والأهداف الحقيقية التي تجعله يخترق المعسكر المناهض لوحدته الترابية، كما تعلم القاهرة أيضا علم اليقين بأن الدولة الجزائرية الماضية في خلق عداوات مع دول الجوار وزعزعة أمنها، ليست أهلا ولن تحمل أي خير أو سلام لبلدان بعيدة عنها جغرافيا
وبينما كانت القاهرة، بالخصوص، على اعتبار أنها الأكثر تضررا من مواصلة أديس أبابا في ملإ سد النهضة، تترقب أية نتائج من “مساعي الجزائر”، فوجئت بعد أشهر قليلة من طرح المبادرة، أي في فبراير من السنة الموالية (2022)، باجتماع وزير خارجية الجزائر، على هامش قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في بروكسيل، بوزراء خارجية كل من إثيوبيا وجنوب إفريقيا ونيجريا، وحديث وسائل إعلام البروباغندا الجزائرية عن قرب تأسيس مجموعة/تحالف الأربعة، من أجل “التشاور والتنسيق لإيجاد حلول عملية وفعالة للقضايا التي تواجه القارة”، وهو ما جعل أولا القاهرة تقتنع بعدم جدية الدولة الجزائرية في القيام بأي دور بشكل محايد ونزيه، مادامت رضيت الاصطفاف إلى جانب إثيوبيا في “تحالف” تُجهل مراميه وأهدافه، وثانيا، شعرت حتى الرباط بأنها مستهدفة من هذا التحرك الجزائري، لاسيما أنه يكرس حشد دول إفريقية كبرى تتقاسم مع النظام الجزائري “الاعتراف” بكيان البوليساريو، وهي الدول التي تضعها المملكة المغربية نصب أعينها وفي جوهر دبلوماسيتها من أجل إقناعها بالتخلي عن دعمها لأطروحة الانفصال، وهي ماضية في هذا السبيل وتكاد تقنع دولتين كبيرتين ولهما تأثيرهما على المستوى الإفريقي، وهما نيجيريا وإثيوبيا !
🔴🚨التعاون بين الرباط وإثيوبيا لا يستهدف القاهرة!
1/2
اللواء محمد عبدالوهاب خبير أمني مقرب من المؤسسة العسكرية المصرية، المتحكمة الفعلية في السلطة في مصر الشقيقة، والتي يعتبر الرئيس عبدالفتاح السيسي أحد "أبنائها البررة"؛ ويعلق هذا اللواء/الجنرال المصري على القناة الألمانية… pic.twitter.com/ga7jc8IVE5— نورالدين اليزيد (@nourelyazid) August 31, 2024
في هذا السياق يكاد المغرب لحد الآن يتمكن من استقطاب نيجيريا إلى “معسكره” وتبني أطروحته في قضية الصحراء، وذلك من خلال شراكات اقتصادية وازنة تقوم بالأساس على “دبلوماسية الفوسفاط”، في إطار رابح-رابح، حيث تعهدت الرباط بتشييد منشأة لصناعة وإنتاج السماد الزراعي في نيجيريا لمساعدتها على تنمية محاصيلها الزراعية، إضافة إلى الانخراط في مشروع طموح لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر اثني عشر بلدا من غرب إفريقيا ليصل إلى المغرب قبل أن يضخ حمولته الضخمة في أوروبا. ونفس النهج تقريبا سارت عليه الرباط، بـ”دبلوماسية الفوسفاط”، مع إثيوبيا حيث تعهدت المملكة بتزويد أديس أبابا بالأسمدة التي هي في حاجة إليها لتنمية إنتاجها الزراعي، ومن خلال إنشاء وحدات محلية أيضا لإنتاج الأسمدة ببلاد الحبشة !
مصر إذن تعلم علم اليقين، بناء على الرصيد التاريخي للعلاقات مع المغرب، نواياه في التحرك، والأهداف الحقيقية التي تجعله يخترق المعسكر المناهض لوحدته الترابية، كما تعلم القاهرة أيضا علم اليقين بأن الدولة الجزائرية الماضية في خلق عداوات مع دول الجوار وزعزعة أمنها، ليست أهلا ولن تحمل أي خير أو سلام لبلدان بعيدة عنها جغرافيا، وإلا لكانت على الأقل صرحت للدول المعنية بخلاصات تحركاتها ومبادرتها لحل أزمة سد النهضة، بحيث اكتفت بدعاية دبلوماسية رخيصة في الموضوع، في حينه، تماما كما فعلت واكتفت الجزائر بإطلاق على الهواء مباشرة، وفي لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يبتسم ابتسامة ساخرة بأنها (بلسان رئيسها تبون) سمحت لنفسها بأن تكون وسيطا لحل الأزمة الروسية الأوكرانية، قبل أن تختفي المبادرة وتتلاشى، في حينها، لإيمان الدولتين المعنيتين بعدم جدية الجزائر وعدم توفرها على الهيبة والوزن والقدرة على التأثير دوليا، وهو ما ظهر بعد حين، بعدما كُشف تورطها، أولا، في تسهيل دخول مرتزقة مجموعة “الفاغنر” الروسية إلى مالي، وفي نفس الوقت وبعدما تأزمت علاقتها مع باماكو، سمحت بالتواجد الأوكراني على مستوى الخبراء والاستخبارات على التراب المالي لدعم انفصاليي الأزواد ضد الفاغنر الذين باتوا يقاتلون إلى جانب القوات المالية، أي أن الجزائر تقوم دوما بالشيء ونقيضه!
قد يتساءل متسائل، ولماذا خرجت بعض الأصوات المصرية لتندد بالتقارب المغربي الإثيوبي الأخير؟ فنجيب، قد تكون تلك الأصوات تعبر بحسن نية عن رد فعل عاطفي ساذج في ظل الأزمة التي تخيم على علاقات بلادهم بالدولة الجار (إثيوبيا)، التي ستصبح متحكمة في مصادر مياههم، كما قد تكون أصواتا هي عبارة عن بالونات اختبار وجس نبض للرباط والضغط عليها لتخرج ببيان رسمي توضح فيه طبيعة هذا التعاون العسكري الوازن مع بلاد الحبشة، بينما يبقى الموقف الرسمي المعلن بين القاهرة والرباط هو الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشأن الداخل لبعضهما البعض أو الإضرار بالمصالح العليا للبلدين.
ملحوظة: هذه المقالة نشرها كاتبها بداية على شكل تدوينة مطولة على حسابيه في فيسبوك و(X) تويتر سابقا