بوعيدة يعيد تفكيك أسباب “الانقلاب” عليه كرئيس لجهة كلميم-وادنون
المقالة كما نشرها كاتبها على صفحته بالفيسبوك بتاريخ 18 غشت 2019
عبد الرحيم بوعيدة*
اللجنة المشؤومة
.. يقول ماركس إن التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة على شكل مأساة والثانية على شكل مهزلة ، وما نراه اليوم من عودة النقاش حول بوادر أزمة متعلقة بتشكيل اللجان في الجهة الفريدة هو مهزلة لأنه يعيد سيناريو البدايات إلى الواجهة وكأن ما وقع لهذا المجلس من عرقلة وهدر للزمن التنموي وبلوكاج ثم توقيف وانقلاب لم يؤثرا في مسار أو تصور بعض مكونات هذا المجلس للفعل السياسي، بل أكثر من ذلك فهو يؤكد بشكل لا يدع مجالا للشك لمن كانوا يعلقون مشاكل هذه الجهة على رقبة الرئيس، أن عمق الإشكال لم يكن كذلك وأن السبب الحقيقي طالما أشرنا له تلميحا وتصريحا لكن هناك من كان يريد رقبتنا فقط…
لذا كان لابد أن نعود إلى الوراء قليلا مع الفيلسوف والمفكر كارل ماركس لنرى كيف يعيد التاريخ نفسه في المرة الثانية على شكل مهزلة…
لازلت أتذكر جيدا وأنا أتلمس أولى خطواتي في تسيير الجهة أن أول امتحان حقيقي واجهني هو مشكل تكوين اللجان، وخاصة لجنة المالية لما لها من أهمية لدى البعض، ولعل أول تفجير مؤقت للأغلبية الهشة كان في هذه المحطة التي شهدت خلافا حادا بين عضوين حول أحقية كل منهما في ترأس هذه اللجنة المشؤومة التي تعد معبرا للصفقات والمقاولين، وتضمن لصاحبها ضمان مرور ميزانية الجهة أمامه والحضور بصفة عضو دائم في لجنة الإشراف والمتابعة لوكالة تنفيد المشاريع..
ولن أنسى ما حييت أول حوار بلغة الأرقام بيني وبين أحد أعضاء المجلس حول التصويت على اللجان، حيث طلب مني مبلغا ماليا كبيرا يساوي سنوات تدريسي في الجامعة بمعية أستاذ آخر.. ومن كثرة اندهاشي من المبلغ أجبته “واش غادي تصوت على ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية وانا مافراسي”، أجابني ببرودة أعصاب من خبر المجالس والصفقات “هذا المبلغ ستحصل عليه مضاعفا في صفقة واحدة إلا بغيتي”، أجبته انهاءً لحوار غير مجدي بحسانية اختلطت بها اللهجة المصرية “عنك ما صوت أن شاء الله…”.
من يومها أدركت أن مسؤوليتي في هذا المجلس لن تكون سهلة، وأن حجم المشاكل التي ستواجهني مع أغلبيتي ربما تفوق ما سأواجهه مع معارضة أعلنت نفسها منذ البداية خصما غير شريف..
رئاسة هذه اللجنة في النسخة الأولى من المجلس مرت من قناة المعارضة وعادت دون تخطيط لأحضان الأغلبية في توظيف ذكي لم يثر أي انتباه آنذاك لأن مياه كثيرة جرت تحت الجسر..
ثان مشكل سينفجر مباشرة بعد وفاة رئيسها رحمه الله بشكل مفاجئ صدمنا جميعا.. حيث ستفتح شهية المعارضة من جديد لاسترجاع ما تعتبره حقا أصيلا لها وذلك باستقطاب عضو من الأغلبية واغراءه برئاسة هذه اللجنة بالإضافة طبعا لضمانات أخرى سيأتي الوقت للتفصيل فيها ، ومن منا لا يتذكر النقطة الفريدة في دورة استثنائية دعت لها المعارضة المالكة للأغلبية للحسم في هذه اللجنة..
وبما أن هذا المجلس كان محكوما بخطط وتكتيكات حربية فإن تلك الأغلبية المتحصل عليها بأشكال مختلفة لم تفد صاحبها طيلة سنة ونصف في شيء، فقد اضفنا للنقطة الفريدة جل المشاريع الاجتماعية التي أصرت المعارضة على رفضها دون مبرر معقول، بل أكثر من ذلك تقدم جل أعضاء الأغلبية باستقالات من جميع اللجان لسد الباب على المنتقل الجديد عملا بالمثل القائل “من تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”، هكذا ظلت هذه اللجنة معلقة إلى أن توقف المجلس دون أن يتحقق حلم البعض بالصفقات والعمولات..
تلكم هي قصة اللجنة المشؤومة باختصار شديد، واليوم نفس المهزلة تعود من جديد ونفس الأطماع والرغبة في ترضية الخواطر سواء في هذا الصف أو ذاك هي نفس اللعبة تتكرر لندرك معها جميعا أن عمق الإشكال الحقيقي الذي تعاني منه جهة كليميم واد نون منذ سنوات طويلة هو سؤال النخب السياسية ودور المواطن في تزكية هذا الوضع بمباركة وتأييد من السلطة التي تخشى تجديد النخب في الأقاليم الصحراوية لتحافظ على نفس الوجوه والعائلات الريعية أو الخارجة من التهريب بكل أنواعه ، المهم أنها ترفع نسبة المشاركة في الانتخابات وتقلص من مساحة اكتساح العدالة والتنمية الذي أتُهمتُ بتقويتها بالإضافة طبعا للتهم الأخرى.. والحال أن هذا الحزب موجود منذ سنوات طويلة في المشهد السياسي بالمغرب، في المقابل أنا حديث العهد بالسياسة مما يعني أن مقومات قوة هذا الحزب يستمدها بكل بساطة من ضعف الأحزاب المنافسة ومن بؤس الخطاب السياسي والبرامج المتشابهة واستنساخ نفس التجارب في محاربة هذا الحزب والتي أبانت عن فشل ذريع وسيتكرر نفس الفشل في انتخابات 2021 لأن نفس التاريخ لا يتكرر في المرة الثانية إلا على شكل مهزلة..
وأظن على أن ما يقع الآن في مجلس جهة كليميم واد نون المستفيد منه هو هذا الحزب ، فهل أنا الذي أوصل الجهة لهذا المصير ؟! وأكاد أجزم أن أعضاء هذا الحزب في الجهة إذا ما حافظوا على الحياد وترفعوا عن لجنة فصلت في النظام الداخلي لفائدة الحزب المعلوم كما عبر أحدهم سابقا ، حتما سيجنون الثمار في الاستحقاقات القادمة..
أما زواج الأحرار والاتحاد الاشتراكي من أجل إنجاز المهمة الثانية (محاصرة هذا الحزب)، فهو تحالف يشبه زواج المتعة طالما سينتهي بطلاق بائن مستقبلا لأنه مبني ضدا على الإرادة الشعبية وجاء ليكرس منظومة الفساد داخل الجهة ويعيدها للمشهد السياسي مجددا بعدما اوشكت على الإفلاس…
إن أزمة مجلس جهة كليميم واد نون ستستمر بشكل أكبر وأعمق بسبب ضغط الزمن السياسي وغياب معارضة مهيكلة، واختفاء سياسة القطبية التي عرفها المجلس طيلة السنوات الفارطة.. اليوم باستثناءات قليلة الجميع يبحث عن التموقع في خارطة الطريق الجديدة حيث لا معارضة ولا أغلبية كما يحلو لبعض من استفادوا من صفقة الجهة ترويج ذلك..
إذا نحن أمام لحن واحد، لكن في نفس الوقت إزاء طموحات مختلفة فهناك من ينتظر الفرصة للانتقام من سنوات ضاعت دون صفقات.. دون عمولات.. إذن في هذا المجلس الآن هجرات متعددة وكل لما هاجر إليه…
يبقى السؤال الحقيقي والمحوري ، هل ستمتلك الرئيسة الجديدة الشجاعة للاعتراف لمن دفعوا بها وللراي العام بالأسباب الحقيقية لبلوكاج مجلس جهة كليميم واد نون بعد أن تأكدت بالملموس أن كل ما قيل لها لقبول اللعبة كان فخا مرسوما بكل حرفية ؟؟ أم أنها بالحسانية لاهي تواسي الطيحة ترصيفة ؟!!
*أستاذ جامعي ورئيس مجلس جهة كلميم وادنون السابق