علاء الأسواني يبشر بالمفاجأة التي تنتظر السيسي!
علاء الأسواني*
عندما كان ديفيد كاميرون رئيسا لوزراء بريطانيا (2010-2016) نشرت الصحف صورته وهو يعمل في مكتبه، وقد ظهرت بجواره ماكينة حديثة لصناعة القهوة ثمنها 140 جنيها استرليني.. عندئذ ثار الرأي العام في بريطانيا وانهمرت الرسائل على موقع كاميرون الإليكتروني وكلها تطرح سؤالا واحدا:
“هل اشتريت ماكينة القهوة الثمينة من مالك الخاص أم من مال الشعب البريطاني؟”.
لم يغضب كاميرون ولم يتهم السائلين بأنهم خونة ممولون هدفهم إسقاط الدولة البريطانية، لكنه قال: “من حق دافع الضرائب أن يتأكد من أن أمواله تصرف بطريقة سليمة”. ثم نشر صورة من الفاتورة التي تثبت أنه اشترى ماكينة القهوة من ماله الخاص.
منذ أيام حكمت محكمة في نيويورك على الرئيس دونالد ترامب بإرجاع مليوني دولار إلى منظمته الخيرية لأنه أخذ منها هذا المبلغ واستعمله في تمويل حملته الانتخابية بالمخالفة للقانون.
هذه الرقابة الصارمة على المال العام موجودة في كل الدول الديمقراطية. المواطن هناك يملك المال العام ولا يسمح للرئيس بأن ينفقه بدون رقابة. إساءة استعمال المال العام تهمة خطيرة كافية لعزل الرئيس. المواطن في دولة ديمقراطية هو رمز الدولة وسيدها الوحيد وهو يختار الرئيس في انتخابات نزيهة ثم يراقبه وقد يعزله اذا أساء استعمال سلطاته. هل نقارن ذلك بما يحدث في مصر؟
لقد استدان السيسي حتى بلغت ديون مصر حجما غير مسبوق في تاريخها بل ان وزير المالية قال بنفسه في لقاء تليفزيوني إن دخل الدولة المصرية أصبح بالكاد يكفي لدفع أقساط الديون وفوائدها.
وبالتالي لم يعد أمام الدولة إلا المزيد من الاستدانة لتغطيه مصروفاتها.
أكثر من نصف القرى في مصر بلا صرف صحي والمدارس الحكومية في حالة يرثى لها كما أن المستشفيات الحكومية تعاني من الإهمال الشديد ونقص الإمكانيات. ملايين المصريين يعيشون حياة لا تليق بالبشر. كل هذه المآسي لم تمنع السيسي من انفاق المليارات من أجل إقامة مؤتمرات دعائية صاخبة بلا فائدة سوى إرضاء حلم السيسي في أن يكون زعيما عالميا وإشباع حبه للحديث أمام الكاميرات.
حتى لو تحقق ذلك باستضافة آلاف الناس من شتى أنحاء الأرض والإنفاق ببذخ على أكلهم وشربهم وإغراقهم بالهدايا من أجل أن يصفقوا بحرارة كلما نطق السيسي بجملة حتى لو كانت ساذجة أو بلا معنى. المنافقون في الإعلام المصري يقولون إن مهرجانات السيسي لا يتم الإنفاق عليها من ميزانية الدولة، وإنما يمولها رجال الأعمال. حتى لو كان ذلك صحيحا، ألم يكن من الأولى أن ينفق رجال الأعمال على المستشفيات والمدراس بدلا من هذا التهريج..؟ المدهش أن السيسي يرفض محاسبته على إنفاقه للمال العام ويعتبر ذلك جحودا وقلة أدب من الشعب وقد صرح قبل ذلك متحديا:
- “نعم أنا أبني قصورا رئاسية جديدة وسوف أستمر في بنائها”.
ما الفرق بين المواطن الإنجليزي الذي ثار على رئيس الوزراء من أجل ماكينة قهوة والمواطن المصري الذي يرى رئيسه يستدين باسمه ثم يبدد المليارات على القصور الرئاسية والمؤتمرات الدعائية. الفرق ان الدول الديمقراطية لا يوجد فيها قمع، أما في مصر فإن تعليقا تكتبه على فيسبوك كفيل بإلقائك بالسجن.. أضف إلى ذلك أن المواطن في الدول الديمقراطية نشأ على أنه صاحب البلد الحقيقي، أما نحن في بلادنا فنعامل كأننا ضيوف على الحاكم.
منذ أن تولى العسكريون حكم مصر عام 1952 أصبح المصريون بلا حول ولا قوة، فالقرار دائما يتخذه الرئيس وليس على المصريين إلا الطاعة. كم دفعنا ثمن جهل الرؤساء وغرورهم وحبهم للظهور. هل استشار عبد الناصر المصريين في قرار الوحدة مع سوريا أو في تأميم الشركات الخاصة أو في خوض حرب اليمن أو في طرد القوات الدولية عام 1967 الأمر الذي نتجت عنه حرب أسفرت عن أكبر هزيمة لمصر في تاريخها؟ هل استشار السادات المصريين في عقد اتفاقية الصلح مع إسرائيل؟ هل استشارهم مبارك في أي قرار اتخذه وهل استشارهم السيسي قبل أن يغرقهم في ديون تبلغ تريليونات؟ وهل استشارهم في مشروعاته التي اعترف بنفسه بأن معظمها تتم بلا دراسات جدوى؟
إن المواطن المصري يجوع نتيجة لسياسات لم يشارك في صنعها ويموت في حروب لم يقرر خوضها وسيظل مديونا هو وأولاده نتيجة لقروض لم يستشره أحد فيها. ألا يفهم المصريون كل ذلك؟
ثمة طبيعة خاصة للمصريين سيكتشفها من يقرأ التاريخ المصري. إنهم يفهمون كل ما يحدث في بلادهم ويدركون فداحة الظلم الواقع عليهم لكنهم يبدون وكأنهم مستسلمون ومذعنون تماما حتى يتمادى الديكتاتور في ظلمه ويطمئن إلى أن حكمه قد استقر إلى الأبد. عندئذ تحدث المفاجأة الكبرى وينتفض الشعب ليقتلع الاستبداد من جذوره. لقد بدا الشعب مستسلما للظلم والفساد في عهد مبارك لدرجة انه سخر من المعارضة أكثر من مرة وعندما تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الدعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير سخر منها إعلاميو النظام المرتزقة ثم حدثت المفاجأة وانتفض المصريون وأجبروا مبارك على التنحي ثم أجبروا المجلس العسكري على القبض على مبارك ومحاكمته.
إن السيسي يبدو الآن مطمئنا تماما بعد أن عبث بالدستور ليبقى في الحكم إلى ما شاء الله وألقى بعشرات الألوف من معارضيه في السجون.
لاشك أن السيسي يعتقد أن بإمكانه أن يصنع بالبلد والشعب ما يشاء ولاشك أيضا أن الشعب قد أعد للسيسي المفاجأة الكبرى ولسوف يعلنها قريبا.
الديمقراطية هي الحل
*كاتب مصري مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية
عن دويتشه فيله