من ذاكرة المسرح بمدينة العرائش
عبد السلام بلقايد
إن ما يمكن أن أسمي به عبد اللطيف المزوري هو أستاذ المسرح بالعرائش هذا المبدع الفنان، تعرفت عليه أول مرة سنة 1973 حين شاهدت له مسرحية في سينما ومسرح ابنيدا، رفقة المرحوم حسن الأمراني. وحوالي 1975 أخرج مسرحية عنترة في المرايا المكسرة، وسنة 1976 إذا لم تخني الذاكرة، شهدت التداريب على مسرحية، مولاي أحمد الريسوني، بل وشهدت بنفسي كيف كان يبحث في المراجع والكتب في المكتبة العامة بمدينة العرائش ليؤلف مسرحية تاريخية عن مولاي أحمد الريسوني، في تلك الفترة أراني مقال في جريدة العلم الصفحة الأخيرة يتحدث عن فيلم الأسد والريح انجزته شركة ميترو كولدا مائير عن الريسوني انطلاقا من مذكرات صحفية أمريكية زارته في المغرب أظن قبل موته سنة 1925.
لقد استطاع المؤلف عبد اللطيف المزوري أن يضيف لمسات فنية خلاقة، على تلك المراجع التاريخية الموجودة بالمكتبة العامة بمدينة العرائش، وقد كان قارئا جيدا للمسرح العربي والمغربي والعالمي من خلال الأستاذ والفنان توفيق الحكيم، وتشيكوف وكروتوفسكي، إذ كانت عنده مكتبة عامرة بالكتب الأدبية وخاصة المسرحية، إذ كانت عنده سلسلة المسرح العالمي التي كانت تصدر من الكويت، حيث كانت تترجم روائع الأعمال المسرحية العالمية كذا مسرحيات الحكيم وأشياء اخرى لم اطلع عليها. كان مثال الأب الروحي لنا، كان خبيرا في انتقاء الممثلين؛ فهو تارة ينتقي النخبة وتارة من الناس العاديين جدا، كان يلازمه كتاب أسس الإخراج المسرحي لكروتوفسكي وهو أحد الأعمدة الأربعة في المسرح العالمي.
لقد أحدث المخرج عبد اللطيف المزوري طفرة نوعية، حيث مارس المسرح الطليعي برؤية تجديدية، تسعى إلى تغيير الواقع وتغيير المفاهيم، وكانت سنوات ،ما يعرف بسنوات الرصاص، تفرض علينا جميعا أن نلتجئ إلى الأعمال الرمزية فكان يتشاور معنا في اختيار المسرحيات،فكنا نختار مسر حيات لعبد الكريم برشيد الدكتور المبجل والمؤلف الجهبذ،وتارة مسرحية الجمجمة لناظم حكمت المؤلف الملتزم، وتارة كنا نتدارس مسرحية حريق في متحف البرادو لرفائيل البرتي الشاعر الاسباني العالمي، فلقد أسسنا فرقة عبد الصمد الكنفاوي1978 ولعبنا مسرحية سالف لنجة من تأليف عبد الكريم برشيد وإخراج عبد اللطيف المزوري. وكان الأستاذ عبد اللطيف قد شارك في تدريب وطني بغابة معمورة، وكان يشرف عليها خيرة رجال المسرح بالمغرب منهم عبد الصمد الكنفاوي ابن مدينة العرائش وأحد مؤسسي المسرح الاحتفالي بالمغرب. حيث التقى بعدد من رجال المسرح إن ذاك،الكثير منهم رحلوا من هذه الدنيا،كما لا ننسى مساهمة الأستاذ الفنان محمد البراق في مسرحية الريسوني إذ وضع لوحة عبارة عن بورتريه لبطل المسرحية وكان يبدي آراءه في الإخراج والديكور، وكان يحضر التداريب ويبدي ملاحظاته في كل حين، ومسرحية الريسوني عرضت في سينما ومسرح ابنيدا،وكذا بمدينة القصر الكبير،مع الأسف لم توثق بالفيديو.
وأذكر أن مسرحية “سالف لنجة” مثلت فيها دور البطولة الممثلة القديرة سعاد الرتبي كما مثل فيها المرحوم عبد العزيز الزبير والمرحوم عبد السلام الأمراني والمرحوم عبد السلام عابد وقد كان بحارا نموذجية. حيث كان أنيقا في لباسه مثقفا أسمر وسيما، رحمه الله، ومثل فيها كل من عبد السلام السايحي، ومبشور عبد الناصر،وعبد السلام بن القائد ،وعبد الواحد السليمي،وحسن اخزان، وكليطو ولطفي بنصالح وواحد من الممثلين كان يسمى رشيد ولا ننسى الممثل القدير خالد بلعزيز، ومحمد الأمراني الملقب بـ”بو”.. ومعذرة إن نسيت أحدا. عرضت المسرحية بالشبيبة المحروسة أولا، ثم بعد ذلك في سينما ابينيدا أظن أنها صورت بالكاميرا فيديو من طرف احد أصدقاء المخرج يقيم آن ذاك بأمريكا، وكان المخرج عبد اللطيف يحافظ على المجيء في الوقت،ولا يتغيب أبدا،وان نسيت لن أنسى الحضور الفاعل للدكتور مصطفى الجلالي الذي كان طالبا آن ذاك،كان يتعاطف،مع الفرقة لأنها مكونة تقريبا من شلة،من النخبة المثقفة، وهو الآن أستاذ المنطق وفلسفة اللغة في جامعة جنيف. كان المخرج يتواصل معنا بشكل جيد ويجيد إدارة الممثل وكذا النقاش، ولا أنسى أن المسرحية تلاها نقاش مع الجمهور، وهي سابقة من نوعها بمدينة العرائش.
كان دوري في المسرحية دور الرسول الذي يأتي بالأنباء، وكان القارئ جيدا حيث كنت أثير عاصفة من التصفيق عندما يأتي دوري. بعد ذلك سنختار مسرحية أوديب سنتمرن عليها 6 أشهر في مراب كنا اكتريناه في الماريستاس.
كان خالد بلعزيز يدرس الرياضيات لبعض التلاميذ لنتمكن من دفع الإيجار، وكان الفنان المبدع السايحي قد صنع تمثالا من الكرطون، عبارة عن تنين بقالب من طين، ليكون ديكورا للمسرحية. لكن هذه المسرحية لم يكتب لها أن تعرض، كان المخرج يحذف بعض الحوارات الزائدة في المسرحية، تجنبا للتطويل ولاعتبارات فنية، بعد ذلك فرقتنا الأيام بحكم بعض الأفراد ذهبوا لإتمام تعليمهم في الجامعة، ومثل عبد اللطيف في مسرحية العين والخلخال لعبد الكريم برشيد ومؤلف آخر مع فرقة المسرح الوطني، وكانت قد عرضت في جولة عبر ربوع المغرب وكان دوره رئيسيا، كما بثتها التلفزة المغربية .
وأنوي، إن شاء الله، الكتابة عن مسرحيين آخرين. إن كتابة ذاكرة المسرح لكل مدينة هو كتابة لتاريخ المسرح المغربي، كما قال الأديب مصطفى الماهماه، في كتابه المجتمع الأصيلي والمسرح.
وأشير في الأخير أن جعبة عبد اللطيف المزوري لا زال فيها الكثير، ويلزم حوارات معه لاستخراجها، حتى تتم الإحاطة بتجربته.
في 15 يوليوز 2020