في غياب المصرية.. السينما المغربية تتصدر المشهد العربي وعين النقاد على السعودية

0

غاب الفيلم المصري عن المنافسة في المهرجانات السينمائية العالمية والعربية، وتصدر المشهد أفلام من 4 دول تفتقد صناعة السينما مثل السودان والعراق، فيما برزت دول المغرب العربي وفلسطين ولبنان بشكل قوي ومتوازن على خارطة هذه الصناعة.
وبحسب صحيفة “عكاظ” السعودية فإن ذلك يعتبر معادلة إذا تمعنت فيها تدرك أن السينما العربية أصبح لها ملامح قادرة على المنافسة في مسابقات دولية، وهذا ما حدث بالفعل خلال العام الحالي 2019. ونتحدث هنا عن الأفلام الروائية الطويلة التي عرضت في المهرجانات السينمائية الدولية، والتي لم تحقق حظا أوفر في العرض في دور السينما التجارية.
ووفق ما جاء في المقالة الموقع باسم الناقد السينمائي علا الشيخ، فإنه في جولة سريعة عن أهم الأفلام العربية لهذا العام، والتي بدأت مشاهدتها عربيا في مهرجان الجونة السينمائي الدولي، مرورا بمهرجان قرطاج السينمائي الدولي، ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي وانتهاء مع مهرجان مراكش السينمائي الدولي، ستصل إلى نتيجة أنك شاهدت جرعة تعتبر الأفضل مقارنة بالعامين الماضيين، تحديدا مع دخول المملكة العربية السعودية في المنافسة والتي كانت بشكل خاص من نصيب الفيلم الروائي الطويل «سيدة البحر» للمخرجة شهد الأمين، التي حصدت جوائز من مهرجانات مختلفة آخرها أفضل فيلم في مهرجان سنغافورة السينمائي الدولي، وكان الاحتفاء بها حاضرا بقوة في القاهرة السينمائي، فالجميع عينه على السعودية وعن دورها في المرحلة القادمة في دعم صناعة الأفلام السعودية والإنتاجات العربية التي ستظهر بشكل أوضح مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في مارس القادم في جدة.
وسنعرض هنا حصادا لأفلام عربية حققت حضورا في المهرجان ونالت جوائز عدة.
البداية مع سينما المغرب العربي، إذ طرح الفيلم المغربي (آدم) للمخرجة مريم توزاني، بكل شفافية ما يؤهله ليصبح الفيلم العربي الأهم من ناحية الصناعة، فكل عنصر فيه وضح مساره، بداية من السيناريو والحوار مرورا بالتمثيل وليس انتهاء بإدارة مخرجة تمكنت من أدواتها بكل حرفية وسلاسة.
ويدور الفيلم حول سيدتين وطفلة، لكل منهن قهرها الخاص، التي تواريه إما من نظرة مجتمع إلى أرملة واسمها عبلة وأدت دورها لبنى الزبال، أو من خلال شخصية سامية التي أدت دورها بتمكن نسرين راضي وهي الحامل بطفل غير شرعي، أو الطفلة وردة التي سمتها أمها سامية بهذا الاسم تيمنا بالمطربة الراحلة وردة، ستعيش تفاصيل يومياتهن في منزل لديه غرفة تطل على الشارع وقد تحول إلى مخبز، ففكرة الخبز بحد ذاتها حكاية، فالخبز هو الذي يجمع بين البشر في مصائبهم، تزول كل الحواجز إذا ما صار اللقمة هي حاجة الجميع، لذلك كل تفصيل في هذا الفيلم البديع لا يمكن أن تقفز أمامه وتفكر، وهنا الحرفية والذكاء في نص كتبته المخرجة نفسها، وأدارته بصريا، ليخرج في شريط سينمائي ستتورط معه عاطفيا، وتدعم شخصياته إنسانيا، تحديدا عندما يولد آدم وتقرر سامية منحه لعائلة تربيه لتستطيع العودة إلى قريتها دون خوف، ولن تنسى مشهد عدم رغبتها في إرضاعه خوفا من التعلق به. فكل شيء في الفيلم مصنوع بعناية، الإضاءة فيه جزء من الحكاية، تشعر بكل مكوناته، وإدارة الممثلين مع الكادر تؤكد على تمكن مريم توزاني من أدواتها.
ومن المغرب أيضا، قدم المخرج حسن بن جلول فيلما بعنوان (من أجل القضية)، من أول مشهد في الفيلم حتى اقتراب نهايته ستضحك من قلبك على كل حركة فيه وعلى كل ردة فعل من الشخصيات التي اختارها ابن جلول وعلى لغة الحوار، كل هذا ليحكي فلسطين بطريقته الخاصة، نعم هو فيلم مغربي وعنوانه يرتبط بفلسطين، من خلال شخصية كريم التي أداها الممثل الفلسطيني رمزي مقدسي وهو موسيقي، واختيار هذه الصفة تحديدا ليس عابرا، لأن الموسيقى لغة عالمية تجمع بين شعوب الأرض، لكن السؤال إذا ما اقترنت هذه الصفة مع شخصية قادمة من فلسطين تحاول العبور من حدود المغرب إلى حدود الجزائر ترافقه زميلة فرنسية كل الخدمات تحت أمرها، فلديهما حفلة منتظرة في وهران، وهنا تبدأ الكوميديا السوداء، في علاقة شعوب المغرب العربي مع اسم فلسطين إذا ما سمعوه، لتبتعد عن الحدود، التي تبدأ بعدم السماح لكريم بالعبور بسبب أن صورته في الجواز مختلفة عن حقيقته، ويطلبون تارة أن يقص شعره، وتارة يطلبون صورة شخصية جديدة وغيرها الكثير، لكن هذه الطلبات تجعله يقترب من سكان المنطقة الحدودية بين البلدين (المغرب والجزائر) لتعيش تفاصيل معنى فلسطين لديهم، بكل ذكاء وسيطرة على المشهد كاملا، في هذا الفيلم أراد ابن جلول أن يحكي الفرق بين حب فلسطين بالكلام وبالفعل، أراد أن يحكي الحدود، ويحكي المزاج الشخصي تحديدا لموظف الحدود بالجزائر الذي أثقل كريم بطلباته لتكتشف في النهاية أن الفلسطيني يدخل الجزائر دون تأشيرة أصلا.
فيلم جميل وعذب، يحوي كوميديا سوداء وهي أصعب أنواع الكوميديا، لكن ابن جلول استطاع أن يوصل فكرته ببراعة من خلال حكاية شديدة الذكاء وحضور قوي لممثلين استطاعوا أن يتركوا أثرهم ومن خلال نص ترك البسمة والفكرة لدى المشاهدين.
وفي تونس، عرضت أفلام تمت صناعتها منذ عامين تقريبا، أثقلها موضوع داعش كحكاية رئيسية، وتعود هذا العام لتقترب من حكايات مجتمعية أخرى في حضرة داعش كمكون ثانوي في الأحداث أو أساسي في بعض الأفلام، أو غيابه نهائيا مثل ما حدث في فيلم (نورا تحلم) للمخرجة هند بوجمعة وبطولة هند صبري ولطفي العبدلي، وعمليا أسماء وأداء الممثلين فيه هو من أعطى ثقلا للفيلم وقوة، لأن الفيلم بشكل عام عادي، بسيط، الحوار أيضا متواضع، حكايته نوعا ما مثيرة وجريئة تدور حول نورا التي تقيم علاقة حب مع رجل وزوجها مسجون، تحاول الطلاق منه لتنعم بحياتها مع حبيبها، وفي لحظة خروج الزوج من السجن تبدأ أحداث الفيلم بتبخر أحلام نورا في الهواء، وهي الأم لأربعة أطفال، وتعمل في مصبغة، تظهر بشكل الفتيات البسيطات بلبسها ومنظرها وحتى تطلعاتها، يسلط الفيلم الضوء على معنى المحاسبة وكيف ينصف مجرما حياته في السجن أكثر من حياته في المنزل، ويحاسب المرأة التي سئمت هذا الزوج وأرادت أن تجرب معنى الحب، هو تجسيد للنظرة الذكورية في المجتمعات العربية.
اما التحفة السينمائية من تونس جاءت هذه المرة مع الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج مهدي البرصاوي بعنوان (بيك نعيش)، ستكون شاهدا على عدة مواضيع مختلفة دون أن يتشتت ذهنك لحظة، ودون أن تشعر أنها لا ترتبط ببعضها، وستدرك أنك أمام فيلم خاص جدا، فيه حرفية لمخرج أبدع في صناعة الروائي القصير، وقدم فيلمه الروائي الطويل بخبرة متمرسين، فيلم متماسك، قوي في نصه وفي أداء ممثليه سامي بوعجيلة بدور فارس ونجلاء عبدالله بدور مريم، وحنكة مخرج، صنع تصاعدا للأحداث المتشابكة فيه بكل خفة وذكاء، فأنت ستعيش لحظة فرح بين عاشقين، ولحظة حزينة من عملية إرهابية يصبح ابنهما الوحيد بسببها بين الحياة والموت في مستشفى في قرية نائية، هذه المحنة تذهب بك إلى محن أخرى تتعلق بطبيعة اختلاف دم الأب عن الابن، لتتكشف خيانة زوجية في الأفق، وتبدأ رحلة من نوع مختلف تتقاطع فيها المصالح وإذا ما كانت تصل في إنقاذ حياة طفل لا ذنب له، هذه الشائكة ستوصلك مرة بمحاولة مريم الوصول إلى عشيقها السابق وأيضا في محاولة يائسة من قبل فارس إلى الحدود الليبية التونسية لتعيش معنى الاتجار بالبشر وبأعضائهم، فيلم بديع بمعنى الكلمة، موجع من شدة الصدقية فيه، عذب من كمية المشاعر التي تعتريك، لا يمكن أن تجفل عن مشهد فيه، فيلم سيكون حاضرا في أرشيف السينما العربية لمن يريد تعلم فن الصناعة الكاملة.
وكان للجزائر حضورها هذا العام مع موضوع العشرية السوداء في فترة التسعينات، تحديدا مع فيلم «بابيشيا» للمخرجة مونيا مدور، وفيلم «أبو ليلى» للمخرج أمين سيدي بومدين، والذي ستكون البداية معه، وهي التجربة الروائية الطويلة الأولى له، مبنية أحداثه عن علاقة السلطة الجزائرية والجماعات الإرهابية في زمن العشرية السوداء، من خلال شخصيتين تعملان في الشرطة يقرران المضي في البحث عن (أبو ليلى) المطلوب رقم واحد بسبب الجرائم الإرهابية والترويعية، التي ارتكبها وآخرها اغتياله لمحام بارز في الجزائر، هذه هي الحكاية، لكن تجسيدها بصريا اعتمد على فلسفة من نوع يشبه إلى حد كبير طريقة المخرج المغربي هشام العسري في صناعة أفلامه، مزج بصري يتم التلاعب فيه بين الحقيقة والخيال والمُتخيل، في رتم بطيء لكنه مليء بالمشاهد التي تقف عندها وتقول ما أجمل هذا المشهد، لانك رغم الهدوء في التطور الدرامي في الفيلم إلا أنك ستستمع في طريقة إدارة التصوير والضوء، وستعيش لحظات روحانية تحديدا مع جماعة الطوارق الذين يظهرون في الفيلم، لتدخل في عمق الإحساس الذي اعترى غالبية سكان الجزائر بكل مدنها وقراها في تلك الأيام السوداء.
تلك الأيام السوداء ظهرت أيضا في فيلم (بابيشا) للمخرجة مونيا مدور وهي كاتبة الفيلم أيضا، بابيشا مفردة محلية جزائرية تعني الجميلة، وهنا الجمال له علاقة ببطلة الفيلم نجمة التي أدت دورها الممثلة الشابة ديانا خضري وهي ليست وحدها بابيشا، كل الفتيات في الفيلم هن كذلك، اللواتي لا يردن سوى الحرية، بحيث تدور أحداث الفيلم في فترة الثمانينات التي شهدت أصعب المراحل التي مرت بها الجزائر حين سيطر الإخوان على شكل الحياة، لكن نجمة وصديقاتها الآتيات من مناطق مختلفة من البلاد لديهن طريقتهن في مواجهة التطرف تظهر في المشاهد الأولى التي تبدأ بفرح وصخب وجمال تبدأ بالتراجع لمواجهة الواقع، حين تقتل شقيقة نجمة، فالقتل وقتها كان بالمجان، المشهد الذي قتلت فيه حين لم تلف نجمة وجهها لمواجهته واكتفت بسماعة هو الحبكة الرئيسية في الفيلم الذي ستبنى عليه تفاصيل سير الحكاية، التي تبدأ من قرار نجمة التي تدرس تصميم الأزياء أن يكون مشروع تخرجها من القماش الذي كانت ترتديه شقيقتها لحظة موتها، وهذا القماش وطريقة ارتدائه حكاية أخرى، نصفه خشن ونصفه حرير، كانت ترتديه النساء أثناء مقاومة الاستعمار الفرنسي لتخبئة الأسلحة وإيصاله للثوار، هذا التفصيل موجع بكيف هذا القماش شهد بعد كل هذه السنوات من الاستقلال موتا من نوع آخر لكن القاتل هذه المرة يتكلم الجزائرية، لتبدأ مجابهة بين الجمال والقبح ومن سينتصر في النهاية. فيلم جميل، لا تختفي نجمة من أي مشهد فيه، تعيش معها وصديقاتها معنى الحلم بكل ما أوتي من تحديات.

الناس/عن “عكاظ” 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.