رجال فئران

0

زكية حادوش

رغم غواية ما هو محلي ورغم محاولات بعض الأصدقاء لجر لساني للحديث عن موضوع الساعة ببلادنا، ألا وهو موضوع الانتخابات التشريعية، لن أتكلم عنها هنا ولا عن أي شيء محلي إلى أن تنتهي “الحملة”.

وبما أننا عادة عندما نحتاج إلى ملء الفراغات بالكلام نتحدث عن الطقس، سأتكلم اليوم عن الجو. والمقصود ليس هو “الجو” عند إخواننا المصريين الذي يحيل على العشق والليالي الملاح ولكن الأحوال الجوية فعلاً. وهي متقلبة هذه الأيام لأن الجو خريف كما تعلمون.

من الطبيعي أن تسقط أوراق الشجر في فصل الخريف. وبما أن الطبيعة البشرية ما هي إلا جزء من الطبيعة عموماً، في فصل الخريف أيضاً يزداد تساقط الشعر لدى الثدييات التي من بينها الإنسان. وإمعاناً في محاكاة الطبيعة يكثر تساقط أوراق التوت كذلك! وما ورقة التوت سوى تلك الورقة الأخيرة التي تغطي عورة الثدييات التي تمشي على اثنين، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى فصيلة الكائنات السياسية.

مع ذلك، لن يغرني شيطان الصحافة للحديث عن أي مخلوقات محلية لأن وعد الحر دين عليه وقد وعدتكم في بداية العمود أن أتجنب الكلام عن “حالتنا المغربية”. أتطرق هنا إلى “حالتين أجنبيتين” فحسب.

الأولى مواطنة هولندية تدعى “نيلي كروس”، وقد سقطت ورقة التوت عنها مع بداية هذا الخريف حين فضحت “أوراق البهاماس” (وهي من نفس فصيلة أوراق بناما!) أمر هذه المندوبة الأوروبية للمنافسة سابقاً التي جمعت بين هذا المنصب وكونها مديرة لشركة بدويلة البهاماس وهي فردوس ضريبي كما تعرفون. هذه السيدة التي شغلت ذلك المنصب “السامي” ما بين 2004 و2009 وبعده منصب رئيسة اللجنة الأوروبية بالنيابة حتى سنة 2014، ظلت مرتاحة ولم تقلقها لا حالة التنافي ولا كونها في نفس الوقت خصما وحكما في مجال المال والأعمال ولا حتى توفرها على حساب بنكي خارج الحدود وخارج القانون، إلى أن حل الخريف وأسقط عنها ورقة التوت.

على عكس الحالة الثانية، حالة المواطن الإسباني “رودريغوراتو” الذي انفجرت فضيحته منذ أكثر من سنتين، وانتقل من شخصية “محترمة” باعتباره رئيس صندوق النقد الدولي ووزير الاقتصاد والمرشح لرئاسة الحزب الشعبي والحكومة بإسبانيا إلى “لص” و”محتال” حسب الهتافات التي “رحبت” به عند وصوله إلى المحكمة الوطنية العليا بمدريد يوم الاثنين الماضي في إطار متابعته بالاختلاس فيما يدعى “قضية بنكيا”. وهو تجمع بنكي لسبعة صناديق إيداع كبرى سيره السيد “رودريغوراتو” من 2010 إلى 2012. ويتعلق الأمر باختلاس مبلغ خيالي يناهز 12 مليون أورو ذهب جلها في رحلات سياحية وحفلات باذخة وطبعا ما يرافقها من سيارات فارهة وملابس وأكسيسوارات راقية، وأشياء أخرى.

وهكذا أضيف النون إلى اسم السيد “راتو” وأصبح “راتون” أي الفأر (القارض) بالإسبانية. ولا عجب فنحن نعيش في زمنهم، أي زمن القوارض التي تقرض أي شخص (أي تقرضه مالاً لا يحتاجه لكي تحكمه وترهن مستقبله) وتقرض، أي تقوض، كل شيء… حتى الحديد!

ليعذرني “جون شتاينبك” في قبره على اقتباس عنوان روايته “رجال وفئران”، فنحن في عالم “الرجال الفئران” الذين ينتمون إلى فصيلة القوارض ويقوضون أسس الحياة الكريمة على الأرض. وسترون أنهم كذلك حين سيكونون أول من يغادر السفينة حين تبدأ بالغرق، كالعادة!

 

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

أترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.